الجزائر… حيثُ الخيال السياسي يتجاوز طائرات “السوخوي” بسرعة جنونية

في الجزائر الجديدة، حيث يَعد الرئيس بأن “كل شيء بخير… فقط لا تنظروا من النافذة”، تستيقظ البلاد يوميًا على تناقضات يصعب حتى على كتاب الخيال العلمي تركيبها. فبين إعلان اقتناء مقاتلات “سوخوي 57 الشبحية” وبين فضائح الأسعار التي لم تعد تعرف قانونًا غير قانون الجاذبية، يبقى المواطن الجزائري يتساءل: “هل نحن دولة نووية أم دولة كوكوت مينوت؟”.
وبينما تنشغل القنوات الرسمية في إعادة بث خطابات تبون أكثر مما تبث مباريات “كرة القدم ”، خرج الكاتب المعارض بوعلام صنصال من السجن بابتسامة أكبر من اقتصاد الجزائر نفسه، متحديًا الجنرالات وكهنة المرادية بتلك السخرية التي يعرفها عنه الجميع. وما إن وصل الرجل إلى برلين حتى أعلن ببساطة أنه “قوي وبخير”، في رسالة مشفرة تقول: السجون التي لا تهزم الفساد… لن تهزم الأدباء.
صنصال، البالغ من العمر 81 عامًا، الذي سُجن بسبب عبارة قال فيها إن بعض مناطق الجزائر الحالية هي مغربية و “كانت دائمًا مغربية”، خرج الآن ليضيف: “ليس هناك ديكتاتور يمكنه كسري… بالكاد يمكنه كسر الاقتصاد الوطني”. تصريح أثار ارتباكًا داخل الكهف السياسي للمرادية، حيث لم يعرف الجنرالات هل يدرجون الجملة ضمن “محاولة المساس بالوحدة الوطنية” أم ضمن “أدب الخيال الفكاهي”.
ورغم وضعه الصحي الحرج بسبب سرطان البروستات، فإن السلطات حبسته في وحدة معزولة لا يدخلها الضوء إلا بإذن عسكري، وكانت الوجبات المقدمة تشبه – حسب قوله – “منشورات حكومية: كثيرة الكلام… قليلة الفائدة”.
وفي سياق آخر، وبينما تهتز الجامعات الجزائرية على وقع جرائم عنف غير مسبوقة، ويُباع الموز بأسعار تفوق قيمة الرواتب، وتتحول الحملات الدبلوماسية إلى عروض مسرحية على منصة مجلس الأمن، يواصل الإعلام الرسمي إقناع المواطن بأن “الجزائر أصبحت قوة إقليمية عظمى”… ربما في كوكب آخر.
أما الملف الأكثر إثارة للسخرية هذه الأيام فهو تبرير النظام لتصويته على قرار غزة في مجلس الأمن، حيث خرج وزير الخارجية ليشرح الموقف بخطاب طويل حاول فيه أن يظهر متماسكًا أكثر من تماسك الموازنة العامة، مؤكدًا أن الجزائر “تدعم فلسطين بقلبها وجيوب مواطنيها”… أما النفط والغاز فلهما حسابات أخرى.
وحتى لا يبقى المشهد ناقصًا، يخرج كل يوم سياسي أو مسؤول بتصريح جديد يجعل الجزائريين يتساءلون: هل نحن في دولة… أم في مسلسل ساخر لا يريد أن ينتهي؟
وفي النهاية، يبقى السؤال الحقيقي:
هل الجزائر تسير نحو المستقبل؟
أم أن المستقبل هو من يجري هاربًا منها؟



