حين نصبح غرباء عن بعضنا بقلب أحمر..هكذا سرقت منا السرعة إنسانيتنا؟

تغيرنا.. كل شيء يجري بسرعة مخيفة؛ الأخبار والعلاقات والأحلام، وحتى الوجع. في زمن كان الجار يعرف اسم جاره، صار اليوم لا يعرف حتى ملامحه، وإن عرفها فغالبا من شاشة هاتف أو كاميرا مراقبة.
غريبا؛ نحن أكثر اتصالا من أي وقت مضى، وأشد وحدة من أي وقت مضى.. آلاف الأصدقاء الافتراضيين، ومقعد فارغ بجانبنا لا نلتفت إليه، نتقن إرسال القلوب الحمراء، لكننا نفشل في احتضان إنسان حقيقي حين يحتاجنا.
السرعة لم تغير فقط إيقاع حياتنا، بل أعادت تشكيل مشاعرنا ايضا؛ لفد صرنا نحب بسرعة بشكل مفرط، ثم نمل بسرعة مذلك، ونغضب بسرعة، وننسى بسرعة ايضا.. حتى التعاطف أصبح لحظة عابرة؛ نضغط “أعجبني” على مأساة، ثم ننتقل بسلاسة إلى فيديو مضحك، وكأن الألم قابل للتخطي بإصبع.
في المقاهي كما في البيوت، تجلس العائلات حول طاولة واحدة، لكن كل فرد في عالمه الخاص.. الأب منشغل بالأخبار والأم بالرسائل والأبناء بالألعاب، والحديث الحقيقي…؟!، مؤجل إلى أجل غير مسمى.. صار الصمت هو اللغة المشتركة، والهواتف هي الوسيط الوحيد بيننا.
الأخطر من ذلك أن هذه السرعة جعلتنا أقل صبرا على بعضنا؛ لا نحتمل الخطأ، ولا نمنح فرصة ثانية، إن تأخر أحدهم، نغضب، وإن اختلف معنا، نقصيه، اما إن تعب، فنطلب منه أن “يتجاوز” بسرعة، وكأن المشاعر زر يمكن إيقافه.
المجتمع لا ينهار بضربة واحدة، بل يتآكل بصمت!..حين نفقد القدرة على الإصغاء، حين نصبح قساة دون أن نشعر، حين نبرر اللامبالاة بأنها “ضغط الحياة”، نكون قد ساهمنا، دون قصد، في هذا التآكل.
لسنا بحاجة إلى ثورة تكنولوجية جديدة، بل إلى ثورة إنسانية هادئة، نحن بحاجة أن نبطئ قليلا، أن ننظر في عيون بعضنا البعض، أن نسأل بصدق: “كيف حالك؟” وأن ننتظر الجواب فعلا.. أن نتذكر أن خلف كل وجه قصة، وخلف كل صمت وجعا غير معلن.
ربما لن نستطيع إيقاف العالم، لكننا نستطيع على الأقل ألا نفقد أنفسنا داخله.. لأن أخطر ما قد يحدث لنا، ليس أن نعيش بسرعة… بل أن نمر في حياة بعضنا دون أثر.. بل ودون ابسط ذكرى!.



