من الإشادة إلى الدرس.. لماذا تنجح الكرة المغربية حين تفشل غيرها؟

ليست شهادة الحكم الدولي المصري السابق جمال الغندور في حق الكرة المغربية مجرد مجاملة عابرة أو رأي معزول، بل هي اعتراف مهني صادر عن رجل خبر كواليس المستطيل الأخضر قارياً ودولياً. حين يقول الغندور إن ما يحققه المغرب اليوم هو “ثمرة عمل ممنهج ومتكامل”، فهو في الواقع يضع إصبعه على جوهر الفارق بين مشروع كروي يُبنى بالصبر والتراكم، ومنظومات أخرى ما زالت تراهن على الصدفة والنتائج الآنية.
نجاح الكرة المغربية لم يبدأ من نصف نهائي كأس العالم، ولم يولد مع تتويج منتخب أو بروز نجم. هو مسار طويل اختار فيه المغرب منطق البناء بدل منطق الترقيع، والاستثمار بدل ردّ الفعل. من التكوين القاعدي، إلى البنية التحتية، مروراً بتأهيل المدربين والحكام، وصولاً إلى احترافية التسيير داخل الجامعة والأندية، تتشكل صورة منظومة تعرف ماذا تريد وإلى أين تسير.
ما يلفت في حديث الغندور ليس فقط إشادته بالنتائج، بل تركيزه على “المنهج”. فالنتائج، مهما كانت كبيرة، يمكن أن تكون عابرة، أما المنهج فهو الضمانة الوحيدة للاستمرارية. هنا تكمن قوة التجربة المغربية: رؤية واضحة، استثمار طويل الأمد، وربط النجاح الرياضي بالحكامة والشفافية والاستدامة المالية. لذلك لم يعد التتويج أو التألق مفاجأة، بل نتيجة منطقية لمسار مدروس.
كما أن حديثه عن قوة المنتخبات السنية، والشباب والناشئين، يحمل دلالة عميقة. الكرة الحديثة لا تُقاس فقط بما يحققه المنتخب الأول، بل بما يُنتج “المعمل الكروي” من أجيال قادرة على تعويض بعضها البعض دون فراغات قاتلة. في هذا الجانب، يبدو المغرب متقدماً بخطوات، لأنه فهم مبكراً أن المستقبل يُصنع في مراكز التكوين لا في عناوين الصحف.
ثم إن استحضار الغندور لعلاقته الخاصة بالتحكيم المغربي، وأسماء وازنة مثل الراحل سعيد بلقولة ورضوان جيد، يذكّر بأن نجاح الكرة لا يقتصر على اللاعبين والمدربين وحدهم. التحكيم، الإدارة، التنظيم… كلها حلقات في سلسلة واحدة. حين تكون السلسلة متماسكة، يصبح التألق شاملاً وليس انتقائياً.
شهادة جمال الغندور إذن ليست فقط وساماً على صدر الكرة المغربية، بل درس مفتوح لبقية التجارب العربية والإفريقية: النجاح لا يُستورد ولا يُختزل في جيل ذهبي، بل يُصنع عبر رؤية، ويُحمى بالاستمرارية، ويُقاس بقدرة المنظومة على تجديد نفسها دون أن تفقد هويتها.
وإذا كان الغندور قد ختم حديثه بالتأكيد على أن المغرب “كان دائماً في القمة”، فإن الحقيقة الأهم هي أن البقاء في القمة أصعب من بلوغها. هنا بالضبط يكمن التحدي المقبل: ليس إثبات أن ما تحقق لم يكن صدفة، بل مواصلة الإقناع بأن المشروع ما زال حياً، وقادراً على إنتاج النجاح… مرة بعد أخرى.



