أخبارالحكومةالرئيسيةقصص و شخصيات

أحمد التوفيق..المؤرخ والأديب الذي نفذ استراتيجة الاصلاح الديني بإتقان

يُنظر إلى أحمد التوفيق كوزير يجمع بين المؤرخ والروائي ، بين الباحث الأكاديمي ورجل الدولة. وهو يقدّم صورة عن المثقف المغربي الذي وُضع في قلب تسيير واحد من أهم القطاعات الحساسة بالمملكة، الشأن الديني الذي تسهر عليه وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية.
وقد ساهمت خلفيته الأكاديمية والأدبية في منح قراراته طابعًا هادئًا ومتزنًا، يعتمد الحوار والبعد الروحي، ما جعل وزارته من ركائز الاستقرار الديني في المغرب.

في مرتفعات الأطلس الكبير، وُلد أحمد التوفيق في 22 يونيو 1943 بقرية «ماريغا» وتابع دراسته الابتدائية والثانوية بمدينة مراكش. التحق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط حيث حصل عام 1968 على الإجازة في التاريخ، قبل أن يتابع دراساته العليا في فرنسا، وينال دبلوم الدراسات العليا في التاريخ الإسلامي، ثم شهادة الدكتوراه حول المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر (إنولتان 1850–1912)، وهو عمل علمي ما يزال يُعتبر مرجعًا في دراسة البنيات الاجتماعية التقليدية بالمغرب.

حيث بدأ التوفيق مساره أستاذًا للتاريخ الإسلامي والحضارة بجامعة محمد الخامس بالرباط والمدرسة العليا للأساتذة بمراكش. وقد تميز ببحوثه الرصينة التي انصبت على التاريخ الاجتماعي والثقافي للمغرب، كما أشرف على أطروحات جامعية وأبحاث ميدانية في القرى والبوادي المغربية.
في عام 1989 عُيّن مديرًا لمعهد الدراسات الإفريقية بالرباط، وهو المنصب الذي أتاح له الانفتاح على قضايا القارة الإفريقية وتاريخها، قبل أن يتولى سنة 1995 إدارة المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، حيث أشرف على تحديث بنيتها وتنظيم أرشيفها بما يخدم البحث العلمي.

و بتاريخ 7 سبتمبر 2002، عيّنه جلالة الملك محمد السادس، وزيرًا للأوقاف والشؤون الإسلامية، وهو المنصب الذي ما يزال يشغله إلى اليوم، مما يجعله من أقدم الوزراء بقاءً في الحكومة المغربية. وقد واكب خلال هذه المدة تعاقب حكومات متعددة، دون أن يفقد الثقة الملكية في إدارته لشؤون الحقل الديني. تركّزت جهوده الوزارية على إعادة هيكلة الحقل الديني بالمغرب عبر:

  • ضبط الخطاب الديني وحمايته من التوظيف المتطرف.
  • العناية بالمساجد وتجهيزها وتسييرها.
  • تأهيل الأئمة والخطباء وتكوين المرشدات الدينيات في تجربة رائدة عالمياً.
  • تعزيز الحضور المغربي في إفريقيا في إطار ما بات يُعرف بـ«الدبلوماسية الدينية»، حيث أصبح المغرب مرجعًا في تكوين الأئمة وتصدير النموذج الديني الوسطي المعتدل.

فنهجه، يرتبط بقناعة شخصية راسخة بالروح الصوفية المغربية التي يعتبرها عامل توازن واعتدال في التدين.

و إلى جانب مساره الأكاديمي والسياسي، يُعرف التوفيق بصفته أديبًا وروائيًا. فقد ألّف عدة روايات منها:

  • جارات أبي موسى (صدرت سنة 1997)، والتي تُرجمت إلى الإنجليزية ولغات أخرى.
  • شجيرة الحناء والقمر.
  • جلسات القرية.
    ايضا كتب دراسات ومقالات أكاديمية مهمة حول التاريخ الاجتماعي، من أبرزها كتابه: المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر (إنولتان 1850–1912).
    فإنتاجه، يجمع بين الحس التاريخي والتصور الأدبي الروحاني، مما جعله يحظى بتقدير نقدي وأكاديمي واسع.

و شارك التوفيق في ندوات ومنتديات دولية، خصوصًا تلك المتعلقة بالحوار بين الأديان ومكافحة التطرف، وهو عضو في شبكات وهيئات دولية تعنى بالشأن الديني. كما راكم خبرة معتبرة في إدارة المؤسسات الثقافية والدينية جعلت حضوره يتجاوز حدود المغرب إلى المجالين العربي والإفريقي.

أحمد التوفيق ليس مجرد وزير ظل لعقدين في موقعه، بل هو نموذج لمثقف استُدعي من قاعات الجامعة ومن فضاءات الكتابة إلى ميدان التدبير العمومي، ليقود بحنكة مشروع إصلاح الحقل الديني بالمغرب في زمن حساس.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button