رأب الصدع.. ولمّ الشمل

بقلم الاستاذ:
مولاي الحسن بنسيدي علي
في زحمة الحياة وتقلّب الأيام، لا تخلو العلاقات الإنسانية من اختلافات في الرأي وتباينات في المواقف. ولكنّ الخطر لا يكمن في الخلاف ذاته، بل في طريقة التعامل معه. فقد يكون الاختلاف بوابةً للفهم، ومدخلاً للتكامل، وقد يكون – إن سادته الجفوة وغابت الحكمة – سببًا في الفرقة والعداء. وما أحوجنا اليوم إلى أن نستحضر قيم المحبة والتسامح، لنُعيد لقلوبنا دفأها، ولعلاقاتنا إنسانيتها.
إن من طبائع الحياة أن يختلف الأخ وأخوه، والجار وجاره، والصديق وصديقه، ولكن العاقل من لا يسمح لهذا الخلاف أن يتحوّل إلى جفاء، ولا يجعل من الرأي المختلف جدارًا يمنع التواصل.
في الأمم التي تقدّمت، لم تكن المسيرة خالية من الجراح، لكنهم تجاوزوا الآلام، وداووا الشروخ، ووضعوا أيديهم في أيدي بعض، فشيدوا جسور المحبة، وارتقوا بإنسانيتهم فوق الصغائر. لم يكن ذلك ضعفًا، بل منتهى القوة أن تسامح، وأن تتجاوز، وأن تبني على ما يجمع لا على ما يفرق.
أما في واقعنا، فقد تسرّبت إلينا عوامل الفرقة، وغلبت علينا نزعات الأنانية، فارتفعت حواجز الكراهية، وذبلت أواصر المحبة، وخفتت أنوار البيوت التي كانت تنبض بالودّ. استأسدت النفوس المريضة على الضعفاء، وقطعت الأرحام، وبذرت بذور الحقد، حتى أصبحت القلوب خواء، والبيوت جدرانًا صمّاء.
ولم يقف الأمر عند العداوة الشخصية، بل امتدّ أثرها إلى جسد الأمة، فوهنت قوتها، وتكالبت عليها الخطوب، وغدت تدفع الثمن من مالها ودمها وعرضها، ذليلة في أرضها، تستجدي رضا من يتحكم في مصيرها، وقد نسيت أن العزة لا تُنال إلا بوحدة الصف، ولا تُستردّ إلا إذا أُعيد الاعتبار للقلوب قبل العقول.
فلنعد إلى الأصل الطيب، إلى تلك القلوب التي ما كانت تعرف إلا الصفاء، ولننفض عن أرواحنا غبار الجفاء، ونمدّ أيدينا لبعضنا بصدق، قبل أن يأتي يومٌ نتحسر فيه على وطنٍ ضاع، وأخٍ هجر، وودٍ اندثر. فلنغتنم ما بقي من العمر لنُصلح ما أفسده الخلاف، ولنكن كما أرادنا الخالق: “إخوةً في الدين، شركاء في الأرض، أعوانًا في الخير، لا أعداءً في البغضاء”.
فما أقصر العمر، وما أهون الدنيا إن خلت من محبة، وإن افتقدت فيها قلوبنا لدفء اللقاء. ولنعلم أن أعداءنا لا يغلبوننا بقوتهم، بل بفرقتنا، وأن أول خطوة نحو النصر، أن نغلب أنفسنا، ونتصالح مع أرواحنا، ونعيد بناء ما انهدم من جسور الإخاء بيننا.
“اللهم اجعلنا ممن يصلحون إذا فسد الناس، ويُحبّون إذا كره الناس، ويجتمعون على الخير إذا تفرّق الناس. اللهم ألف بين قلوبنا، واهدنا لما فيه صلاح دنيانا وآخرتنا.”



