جلسة برلمانية حادة تفضح أزمة الصحة النفسية بالمغرب والوزير يعترف بغياب منظومة التكفل

اهتز مجلس النواب خلال جلسة للأسئلة الشفهية بمواجهات حادة وجهت سهام الانتقاد إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، على خلفية تفاقم ظاهرة انتشار الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية في شوارع العديد من المدن المغربية. هذا المشهد المؤلم بات يهدد السلامة العامة ويطرح تساؤلات جوهرية حول واقع الصحة النفسية في المملكة.
واعترف الوزير في رده على تساؤلات البرلمانيين بغياب منظومة فعالة للتكفل الفوري بالمرضى النفسيين، مؤكدًا أن الوزارة تعمل حاليًا على مراجعة شاملة للإطار القانوني والتنظيمي للصحة العقلية، بالإضافة إلى إعداد استراتيجية وطنية جديدة في هذا المجال بتشاور مع مختلف الأطراف المعنية.
– انتشار “مأساوي” يكشف عن ثغرات عميقة
وصف النائب البرلماني عن الفريق الاشتراكي، محمد البوعمري، الانتشار المتزايد للمختلين عقليًا في الأماكن العامة بأنه “فشل بنيوي للحكومة في تدبير ملف الصحة النفسية”. واستشهد بحادثة “بن أحمد” التي هزت الرأي العام، منددًا بما وصفه بـ “ترحيل المختلين” إلى أطراف المدن دون توفير علاج حقيقي لهم.
من جانبه، انتقد النائب محمد المخنتر عن الفريق الحركي تمركز الخدمات النفسية في المدن الكبرى، مع غياب شبه تام للمؤسسات القريبة من المواطنين في العالم القروي والمناطق شبه الحضرية، مما يعمق التفاوت في الاستفادة من الحق في العلاج.
– نقص حاد في البنية التحتية والموارد البشرية
كشف تقرير قدمه الوزير عن أرقام صادمة تعكس حجم الخصاص المهول في الموارد البشرية العاملة في مجال الصحة النفسية والعقلية على المستوى الوطني، حيث لا يتجاوز عددهم الإجمالي 3230 مهنيًا، من بينهم فقط:
319 طبيبًا في القطاع العام.
274 طبيبًا في القطاع الخاص.
62 طبيبًا نفسيًا للأطفال في القطاع العام.
14 طبيبًا نفسيًا للأطفال في القطاع الخاص.
1700 ممرض متخصص في الصحة النفسية.
هذا النقص الحاد يضع المغرب بعيدًا عن المعايير الدولية التي توصي بتوفير طبيب نفسي واحد على الأقل لكل 10 آلاف نسمة، في حين أن النسبة في المغرب لا تزال أقل بكثير من هذا المعدل.
– بنية صحية “منهكة” تزيد الطين بلة
أشار فريق حزب التجمع الوطني للأحرار إلى معاناة مدينة مراكش بشكل خاص، بسبب إغلاق مستشفى جماعة السعادة منذ زلزال الحوز، في حين أن مستشفى “بن نفيس” غير قادر على استيعاب جميع الحالات، مما يدفع العائلات إلى التوجه نحو مستشفى قلعة السراغنة الذي يعاني بدوره من الاكتظاظ، ليصبح الشارع في نهاية المطاف الملاذ الوحيد للعديد من الحالات المرضية.
– اعتراف بغياب منظومة للتكفل وإعادة الإدماج
اعترف الوزير أمين التهراوي خلال الجلسة بأن الوزارة لا تملك منظومة للتكفل الفوري بالمرضى النفسيين في حالات الطوارئ، وهو ما يفسر تركهم في الشوارع. وأكد أن هذا الوضع “مقلق” ويتطلب تنسيقًا شاملًا بين وزارات الصحة والداخلية والتضامن ومؤسسات الرعاية الاجتماعية.
كما أشار إلى غياب منظومة متكاملة لإعادة الإدماج الاجتماعي والأسري للمرضى بعد فترة العلاج، مما يساهم في عودة العديد منهم إلى الشارع.
– دعوات للإصلاح التشريعي والشراكة الشاملة
في ختام الجلسة، دعا برلمانيون إلى ضرورة:
تسريع مراجعة قانون الصحة النفسية ليواكب المعايير الدولية.
تعزيز الشراكة بين القطاعات الحكومية والمجتمع المدني لتوفير التكفل الاجتماعي اللازم.
تقديم الدعم للأسر التي تواجه صعوبات في التعامل مع أفراد يعانون من أمراض نفسية.
توسيع شبكة المستشفيات الجهوية المتخصصة في الطب النفسي، خاصة في المناطق النائية.
وخلص المتدخلون إلى أن ما يحدث ليس مجرد حالات فردية، بل يعكس أزمة عميقة في البنية الصحية والاجتماعية، ويكشف عن إهمال مزمن لقضايا الصحة النفسية في السياسات العمومية. إن انتشار المرضى النفسيين في الشوارع لا يمثل خطرًا على السلامة العامة فحسب، بل هو مؤشر على فشل ذريع في توفير الرعاية الطبية والاجتماعية والحقوقية لهذه الفئة من المواطنين.
وحذروا من أن استمرار الوضع على ما هو عليه دون تحرك مندمج على المستويات القانونية والمؤسساتية والمجتمعية، ينذر بتفاقم الظاهرة وتحولها إلى أزمة إنسانية مستمرة تهدد النسيج الاجتماعي والأمن المجتمعي برمته.



