#غزةأخبارعين العقل

غزة… حين يصمت الضمير العربي وترتفع آلة القتل

بقلم: الاستاذ مولاي الحسن بنسيدي علي

في عالمٍ يُفترض أنه تحضّر، وتقدّمت فيه الإنسانية حتى بلغت عنان السماء علمًا وتطورًا، ما زالت غزة، بقعة العزة، تُجلَد كل يوم على مرأى ومسمع من عالم أصم، وأمّة مبتورة الإرادة، مكمّمة الصوت، مكبّلة اليد.

حين تُقصف البيوت على رؤوس ساكنيها، وتُهدم المستشفيات والمدارس ودور العبادة، حين يُنتزع الطفل من حضن أمّه شهيدًا، وتُدفن العائلة دفعةً واحدة تحت الركام، لا لشيء سوى أنهم فلسطينيون… لا لشيء سوى أنهم ما زالوا يقاومون بأظافرهم في وجه آلةٍ عسكرية صھيونية جُبنت أمامها كل المواثيق، وعجزت عن لجمها كل قرارات “الشرعية الدولية”.
ونتساءل بحرقة وألم
فأين الأمة؟ أين القادة؟

تُعقد القمم الطارئة وتُلقى الخطب النارية، وتُرفع الأصوات الغاضبة في محافلٍ فارغة، لكن على الأرض لا شيء يتغير… سوى ارتفاع أعداد الشهداء، وكثافة الدمار، وتفاقم المجازر التي أصبحت تُبثّ مباشرة على الهواء، دون أن تهتز شعرة في جبين هذا العالم المتحضر.

أما نحن، فنتلقى صور الأشلاء كما نتلقى الأخبار العادية. نحتسي قهوتنا ونمارس طقوس الحياة الباردة، فيما شعبٌ بأكمله يُباد. ونكتفي بالخطب الجوفاء وإلقاء أشعار في الملتقيات

الأسى ليس فقط في العدوان، بل في خذلان الإخوة، في صمت الجوار، في قيود المعابر، في الأسلاك الشائكة التي تحاصر الحلم الفلسطيني في وطنه، وتمنع عنه الدواء والغذاء، وتحوّل صرخات أطفاله إلى رجع صدى في صحراء الغياب العربي.

غزة لا تحتاج خطابات دعم، بل مواقف فعل. لا تحتاج التغني بالشهادة، بل من يقف سدًا أمام المجازر.

الشعوب تتألم، لكن ألمها لا يغيّر الواقع. فالعين لا تقاوم المستبد، إلا إذا أصبحت يدًا، وصوتًا، وصفًّا واحدًا. الشعوب ليست مسؤولة عن خذلان القادة، لكنها تتحمّل وزر التواطؤ بالصمت.

ونجھر بالسؤال أين مقاومة العدوان؟ أين أدوات الردع التي يمتلكها البعض في الخفاء ويخاف إعلانها؟ متى نكف عن سياسة “التنديد” التي أصبحت شماعة للضعف، ومسرحية ممجوجة بلا تأثير؟ متى يتحول الغضب إلى فعل، والدعاء إلى تحرك، والوجع إلى مقاومة؟

فيا أيھا الساسة غزة ليست قضية هامشية، إنها اختبار للضمير العربي، ومحرار لحرارة الكرامة. وكل يوم يمضي في القتل دون رد، يُسجّل في صحائف الخنوع والتواطؤ والخذلان.

ويا قادة الأمة، إن التاريخ لا يرحم. إما أن تصنعوا الموقف الذي يُشرف، أو تخلّدوا في ذاكرة الشعوب كمن باعوا الدم مقابل العروش.

وغزة… ستبقى رغم القصف… لأن فيها شعبًا لا يُقهر، وأرضًا لا تستسلم، وحقًّا لا يموت.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button