من مداغ إلى العالم… الزاوية البودشيشية تستقبل مرحلة جديدة بقيادة الشيخ منير القادري

في يوم الجمعة 8 غشت 2025 فقدت الساحة الروحية بالمغرب أحد أبرز أعلامها برحيل الشيخ جمال الدين القادري بودشيش،شيخ الزاوية القادرية البودشيشية عن عمر ناهز 83 سنة بعد مسار حافل بالعطاء في خدمة التصوف السني والتربية الروحية.
وقد تولى الراحل مشيخة الزاوية سنة 2017 خلفا لوالده استنادا إلى وصية مكتوبة ومختومة منذ سنة 1990 وضعها الشيخ حمزة القادري بودشيش،الذي أوصى فيها بنقل الإذن في تلقين الذكر والدعوة إلى الله إلى ابنه جمال الدين،ثم بعد وفاته إلى نجله مولاي منير القادري بودشيش حفاظا على استمرارية النهج الروحي للزاوية.
الشيخ جمال الدين الذي ولد ونشأ في مداغ بإقليم بركان كرس حياته لترسيخ قيم التصوف الوسطي المعتدل،معتبرا الزاوية البودشيشية فضاء لنشر السلوك الروحي القائم على المحبة والتسامح وتعزيز الأمن الروحي للمغاربة في مواجهة موجات التطرف والانغلاق.
ومع انتقال المشيخة اليوم إلى الشيخ مولاي منير القادري بودشيش،تدخل الزاوية مرحلة جديدة تجمع بين الحفاظ على إرثها العريق والانفتاح على قضايا العصر. ويعرف مولاي منير بكونه رجل فكر وباحث أكاديمي في قضايا التصوف جمع بين التكوين الديني العميق والتحصيل الأكاديمي الرفيع.
ولد منير القادري في مداغ وتلقى تعليمه الأساسي في بركان ووجدة،قبل أن ينتقل إلى الرباط لاستكمال دراسته.حصل على الإجازة في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب بوجدة سنة 1994 وعلى إجازة في العلوم الاقتصادية من كلية العلوم سنة 1995.وتخرج من دار الحديث الحسنية سنة 1996،كما حصل على دبلوم في العلوم الاقتصادية وتسيير المقاولات من جامعة كرونبل بفرنسا سنة 1999 ودبلوم الدراسات العليا المتخصصة في الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا حول المجتمعات المغاربية المعاصرة في السنة نفسها.
كما نال ثلاث شهادات دكتوراه الأولى في العلوم الإنسانية من دار الحديث الحسنية بالرباط،الثانية في علوم الأديان وأنظمة التفكير من جامعة السوربون (EPHE) بفرنساوالثالثة في الدراسات الصوفية من نفس الجامعة بباريس.
يؤكد الشيخ منير في أطروحاته ومداخلاته أن التصوف ليس مجرد ممارسة روحية فردية،بل هو ركيزة من ركائز الهوية المغربية ودرع يحمي المجتمع من العنف والغلو ويساهم في ترسيخ قيم التعايش والتسامح انسجاما مع النهج المغربي في تدبير الشأن الديني تحت إمارة المؤمنين.
تلعب الزاوية القادرية البودشيشية دورا محوريا في المشهد الديني والروحي بالمغرب،إذ تمثل مدرسة راسخة في التصوف السني المعتدل تسعى إلى الجمع بين التربية الروحية العميقة والانفتاح على القيم الكونية المشتركة.وقد جعلتها مكانتها العلمية وشبكة فروعها الممتدة داخل المغرب وخارجه مركز إشعاع روحي عالمي يستقطب آلاف المريدين من مختلف الجنسيات،الباحثين عن السكينة الروحية والصفاء القلبي.
كما أسهمت الزاوية في تعزيز صورة المغرب كبلد للتسامح والتعايش من خلال تنظيم الملتقيات الدولية للتصوف التي تحولت إلى فضاءات للحوار بين الثقافات والأديان وإبراز الدور الإيجابي للتصوف في مكافحة الفكر المتطرف وترسيخ السلم الاجتماعي.وإلى جانب بعدها الروحي تولي الزاوية اهتماما خاصا بالجانب الاجتماعي عبر مبادرات التضامن ودعم الأسر المعوزة والمساهمة في التنمية المحلية في محيطها القروي.
إن انتقال المشيخة إلى الشيخ مولاي منير القادري بودشيش بما يحمله من رؤية أكاديمية وخبرة فكرية،يفتح أمام الزاوية آفاقا جديدة لتعزيز حضورها العالمي ومواصلة رسالتها في حماية الأمن الروحي للمغرب مع تكريس قيم الوسطية والاعتدال التي تشكل أحد أعمدة الهوية المغربية الراسخة.



