المغرب ومبادرة الحكم الذاتي في الصحراء.. مشروع للوحدة والتنمية والسلام

يعد مقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية الذي قدمه المغرب سنة 2007 إلى الأمم المتحدة من أبرز المبادرات السياسية في تاريخ النزاع الإقليمي حول الصحراء وقد لقي منذ ذلك الحين ترحيبا واسعا من المنتظم الدولي باعتباره مبادرة جدية وواقعية توازن بين احترام السيادة الوطنية وحق الساكنة في تدبير شؤونهم المحلية.
ما هو الحكم الذاتي؟
في المفهوم القانوني والسياسي الحكم الذاتي هو نظام ديمقراطي متقدم يمنح جهة من الدولة صلاحيات واسعة لتسيير شؤونها المحلية بنفسها،ضمن إطار السيادة الوطنية والوحدة الترابية.
ويعد هذا النظام شكلا متطورا من اللامركزية السياسية والإدارية،حيث تحتفظ الدولة المركزية باختصاصاتها الأساسية في الدفاع-الأمن-السياسة الخارجية-العملة والرموز الوطنية بينما تدير الجهة المعنية شؤونها الداخلية عبر مؤسسات منتخبة ديمقراطيا .
توجد نماذج متعددة للحكم الذاتي في العالم،مثل جزر الآزور وماديرا في البرتغال وغرينلاند في الدنمارك وجزر الآلند في فنلندا وكلها أثبتت أن الحكم الذاتي يمكن أن يكون آلية فعالة لتحقيق الاستقرار والتنمية في إطار وحدة الدولة.
مضمون مبادرة الحكم الذاتي المغربي
يقترح المغرب إنشاء مؤسسات جهوية منتخبة لإدارة شؤون الصحراء تحت السيادة المغربية تتكون من:
– برلمان جهوي: يسن القوانين المحلية في مجالات الاقتصاد-الثقافة-التعليم-البيئة والتنمية الاجتماعية.
-حكومة محلية: يرأسها رئيس منتخب من قبل البرلمان الجهوي،تشرف على تنفيذ البرامج المحلية وإدارة الموارد.
-سلطة قضائية جهوية: مختصة بالقضايا الإدارية والمدنية داخل الجهة مع احترام وحدة النظام القضائي الوطني.
-تمثيل خارجي مكمل يشارك ممثلو الجهة في الوفود المغربية لدى المنظمات الدولية عندما تتناول قضايا تهم المنطقة.
ويؤكد المقترح أن جميع هذه المؤسسات ستعمل تحت راية المملكة المغربية،مع احترام الدستور الوطني ووحدة التراب المغربي.
دعم دولي واسع ومتنام
منذ تقديم المقترح، حظي بمساندة متواصلة من دول كبرى مثل الولايات المتحدة-فرنسا-إسبانيا-ألمانيا-البرتغال وعدد متزايد من الدول الإفريقية والعربية.
وقد وصفت الأمم المتحدة المبادرة المغربية بأنها جدية وواقعية وذات مصداقية، معتبرة إياها الأساس الأكثر قابلية للتطبيق لحل النزاع.
وفي القرار الأممي الأخير (أكتوبر 2025) جدد مجلس الأمن دعمه للمسار السياسي القائم على هذا المقترح،مؤكدا أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الواقعي الوحيد لإنهاء نزاع عمره أكثر من نصف قرن.
الحكم الذاتي.. رؤية للمصالحة والتنمية
لا تقتصر المبادرة المغربية على البعد السياسي فحسب،بل تجسد مشروعا مجتمعيا وتنمويا شاملا يهدف إلى تمكين سكان الأقاليم الجنوبية من إدارة شؤونهم والمشاركة في الثروات المحلية،ضمن دينامية التنمية التي تشهدها المنطقة منذ إطلاق النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية سنة 2015 والذي رصد له أكثر من 77 مليار درهم.
كما يشكل المقترح المغربي مدخلا لـ طي صفحة المعاناة الإنسانية التي يعيشها المغاربة المحتجزون في مخيمات تندوف وفتح آفاق العودة والمصالحة والمشاركة في بناء مستقبل موحد قوامه الكرامة والمواطنة والتنمية المشتركة.
جوهر المقترح المغربي
إن الحكم الذاتي الذي تقترحه المملكة ليس تنازلا عن السيادة،بل هو تعبير ناضج عن دولة موحدة حديثة تؤمن بالتعددية وتشرك أبناءها في تدبير شؤونهم.إنه نموذج يجمع بين الشرعية التاريخية والسياسية والقانونية ويبرز قدرة المغرب على ابتكار حلول سلمية واقعية تستند إلى الحوار والمسؤولية.
الحكم الذاتي كما يقدمه المغرب هو طريق نحو سلام دائم وتنمية شاملة في الصحراء المغربية،يجمع بين احترام الخصوصيات المحلية وترسيخ السيادة الوطنية ويجعل من المنطقة جسرا للتكامل المغاربي والإفريقي بدل أن تبقى بؤرة نزاع.
إنه مشروع من أجل المصالحة والوحدة والبناء المشترك،يضع الإنسان في قلب كل تنمية ويفتح صفحة جديدة في تاريخ المغرب الحديث.



