أخبارالرئيسيةفي الصميم

زوبعة في الرمال..دار الشيطان أم الوطن هو الذي يحترق؟

بقلم: زهير أصدور

عندما كنا صغارًا، كنا ننظر إلى الزوابع الرملية على أنها مشهد أسطوري يرمز إلى انتقام إلهي من الشر، فنفرح ونهلل كلما ظهرت، مرددين بأن “دار الشيطان تحترق”. كنا نعيش في براءة الطفولة، حيث الخير والشر لهما علامات واضحة، وحيث الانتصار للحق يبدو ممكنًا ولو بهبة رملية في زقاق قروي.

لكن ونحن كبار، صرنا نعيش في زمن كثرت فيه الزوابع، لا في الهواء فحسب، بل في السياسة والإعلام والمؤسسات، فلم نعد نميّز: أهي دور الشياطين التي تحترق فعلاً، أم أن الوطن نفسه هو الذي تحترق أطرافه ونحن نصفق في غفلة؟ صرنا نخاف أن تكون الزوبعة التي نراها كل يوم ليست نهاية الشر بل غطاءً له، وسحابةً غبارية تُخفي ما هو أدهى وأمر.في المشهد السياسي المغربي، لا تمر أيام دون زوبعة: فضيحة، قرار مرتجل، تعيين مشبوه، أو خطاب يعِد ولا يفي.

نرى المؤسسات تهتز، وحقوق المواطنين تتآكل، والشباب يهاجر، والتعليم يتراجع، والصحة تنهار، وكلما اشتعلت نيران الفساد أو الزبونية، خرج علينا بعض المسؤولين يطمئنوننا أن “دار الشيطان تحترق”، وأن هناك إرادة سياسية للإصلاح. لكن الحقيقة أن النار أحيانًا تطال السقف الذي نأوي إليه، ونحن نردد نفس الأدعية دون أن ننتبه أن ما يُحترق هو خيمتنا، لا خيمة الشيطان.

الأسوأ أن الزوابع أصبحت أداة حكم. فكلما تعالت المطالب بالكرامة أو العدالة أو توزيع الثروات، أُثيرت زوبعة أخرى في الإعلام، ليُشغل الناس بمعارك هامشية، أو بقصص مصطنعة عن “أعداء الوطن”، أو خلافات مفتعلة بين أطياف المعارضة. يتم توجيه الغضب الشعبي نحو سراب، وكأن الهدف ليس إطفاء الحريق، بل صرف الأنظار عنه.

في ظل هذا الوضع، لم نعد بحاجة إلى من يخبرنا بأن الشيطان يُحارب، بل نحتاج إلى من يُطفئ النار فعلاً، من يُراجع السياسات، ويحاسب المسؤولين، ويعيد الثقة للمواطن في وطنه ومؤسساته.

فالزوبعة قد تكون مؤقتة، لكن الرماد الذي تتركه لا يُمحى بسهولة.لقد آن الأوان أن نعيد تعريف “الشيطان” في السياسة: إنه الفساد، والظلم، والتمييز، والاستهتار بقيمة الإنسان. وإذا كنا نريد فعلاً أن نحرق داره، فلنبدأ أولًا بتحصين بيوتنا من أن تتحول إلى رماد ونحن نغني منتشين بهزيمته المزعومة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button