أخبارالرئيسيةفي الصميم

لماذا يجب ان يكون العلم سبيلا الى التزكية الروحية ؟

إن من أعجب ما ابتُليت به الأمة في زماننا هذا، أن صار العلم فيها وسيلة للترقّي الاجتماعي، لا مدخلًا إلى التزكية الروحية؛ حيث غدا التعلُّم فيها يُجَرَّد من شرطه الأخلاقي، ويُحاط بهالة من الغرور والانفصال، حتى أضحى بعض المتعلمين — وما أكثرهم — كلّما تعلموا حرفا، ازدادوا بُعدًا عن أصلهم الفطري، ونأوا عن صفة التواضع، التي بها يُوزن مقام الإنسان.

فأيّ علم هذا الذي يربّي “الذات المتسلِّطة” بدل “الذات المتخلِّقة”؟ وأي شهادة هذه التي ترفع صاحبها عن الناس، ولا ترفعه إلى الله؟ إننا — والحال هذه — أمام “اختلال في مقاصد التعلُّم”، بل أمام انفصال منهجي بين العلم والعمل، بين الفهم والتخلُّق، بين المعرفة والشعور بالعبودية.

بقلم: د. مهدي عامري

وهذا هو عين ما حذّر منه أهل الله. فلا عجب أن ترى في واقعنا من تتكاثر عليه الشهادات، وتتضاعف عنده المسميات، بينما ينكمش فيه الشعور بالمخلوقية، ويستعلي فيه وهم الاستحقاق. وهنا يتحقّق ما عبّر عنه الشيخ الأكبر ابن عربي، إذ قال:

“العلم الذي لا يُورث عبودية، هو حجاب على حجاب، وظلمة في زيّ النور.”

إن التواضع ليس خُلُقًا فرعيًا يُستحسن التحلي به، بل هو مقوّم وجودي للعبد في علاقته بربه وبعباده. فكل معرفة لا تنتهي إلى خشية الخالق، فهي معرفة منقوصة، وإن كانت مملوءة بالاصطلاحات؛ وكل خطاب لا يُوقظ الشعور بالافتقار، فهو ضرب من الجدل العقيم، وإن كان مبنيًّا على أحدث المناهج.

ولعلّ أصل هذا الانحراف يكمن في تغييب “البعد الشهودي” عن العلم، أي تغييب الرابطة الإيمانية التي تجعل المعرفة ضربًا من التعبّد، والتعلُّم مقامًا من مقامات التقرّب.

ولهذا ترى المتعلّم اليوم، إذا ما ارتقى في المراتب، استعلى على البسطاء، وتزيّا بزيّ النُّخب، وتوهّم أن له نصيبًا من الأفضلية لكونه “يعرف”، بينما الحقيقة أن الفضل لا يُنال بكثرة المعلومات، وإنما بكثرة المراقبات.

و في هذا السياق، أراد ابن عطاء الله السكندري أن يُعلِّمنا أن المقام عند الله يُقاس بما نَصمت عنه خضوعًا، وليس بما نُظهر من فصاحة، بل بما نُضمر من خشية.

أما من تحوّل علمه إلى أداة لتمييز الذات عن الآخرين، فقد فاته سرّ العلم، وخاب في المقصد، ولو أحرز أعلى الشهادات.

فالعلم إذا لم يُبدِّل أخلاق المرء، صار عارًا عليه، وحجابًا عن الله لا جسرًا إليه. و في هذا الصدد يقول ابن عطاء الله :

العلماء بالحق، هم من إذا زادهم الله علمًا، زادهم في أنفسهم حقارة، وفي عيون الناس رفعة، وفي حضرة الحق أدبًا.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button