القنيطرة تستضيف ندوة إقليمية: تحفيز الالتزام المواطن لتعزيز الشفافية ومحاربة الفساد

في إطار سعيها لترسيخ قيم الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد، نظمت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بالتعاون مع جمعية “من أجل الشباب”، اللقاء الجهوي الثاني حول “تحفيز الالتزام المواطن وتعزيز المواطنة الفاعلة والشفافية” بمدينة القنيطرة. هذه الندوة هي حلقة ضمن سلسلة لقاءات وطنية تهدف إلى إطلاق نقاش شامل حول دور المواطنين في تحقيق تنمية مستدامة ونزيهة.
– سياق وطني لتعزيز المشاركة المواطنة
تأتي هذه الندوة، التي افتتحها السيد أحمد العمومري، الأمين العام للهيئة الوطنية للنزاهة، ضمن سياق التحولات التي يشهدها المغرب على مستوى المشاركة المواطنة وتكريس مبادئ الشفافية والنزاهة في تدبير الشأن العام. وتهدف إلى تحفيز انخراط المجتمع المدني، المنتخبين، والشباب في بناء منظومة أكثر مسؤولية قائمة على التشارك والحكامة الرشيدة. كما سعت الورشة إلى توفير فضاء للتفكير الجماعي والنقاش التشاركي حول آليات تفعيل الالتزام المواطن في محاربة الفساد، وإبراز دور الجماعات الترابية والهيئات الاستشارية والمؤسسات التمثيلية في هذا الورش الحيوي.
شهدت الندوة حضوراً مكثفاً لممثلي جمعيات المجتمع المدني من مختلف مدن الجهة، بالإضافة إلى ممثلين عن عدد من الجماعات الترابية، وعلى رأسهم السيدة حكيمة حروزة، رئيسة جماعة القنيطرة. وتضمنت الجلسات مداخلات متنوعة تناولت دور الهيئة الوطنية في ترسيخ النزاهة، ودور الشباب في تفعيل العرائض، بالإضافة إلى عرض تجارب محلية في تكريس الحكامة التشاركية.
– الالتزام المواطن: دعامة أساسية للحكامة ومكافحة الفساد
في كلمته الافتتاحية، أكد السيد أحمد العمومري على الأهمية القصوى للالتزام المواطن في مكافحة الفساد وتوفير المناخ الملائم للتنمية المستدامة. وشدد على انفتاح الهيئة على كافة الفاعلين على الصعيدين الوطني والمحلي للتعاون وتبادل الخبرات، مؤكداً أن مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية يتطلب تضافر جهود جميع طاقات المجتمع، من مؤسسات عمومية، ومجتمع مدني، وقطاع خاص، وصحافة، وعموم المواطنين.
من جانبه، أبرز رئيس جمعية “من أجل الشباب” دور الالتزام المواطن في محاربة الفساد، واستعرض برامج ومشاريع الجمعية الهادفة إلى تعزيز الشفافية وثقافة المواطنة الفاعلة لتحقيق التنمية.
كما استعرض ممثل الهيئة الوطنية للنزاهة المهام المنوطة بالهيئة بمقتضى الدستور والقانون 46.19، مؤكداً أنها حلقة أساسية في منظومة مكافحة الفساد. وأشار إلى أن تحقيق حكامة فعالة يتطلب انخراطاً فعلياً للمواطن كشريك أساسي في صياغة السياسات وتتبع تنفيذها، وليس مجرد متلقٍ للخدمة العمومية، وأن هذا الانخراط يستلزم تعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات وتنزيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالديمقراطية التشاركية.
وسلط ممثل جمعية “من أجل الشباب” الضوء على الدور الحيوي للشباب في تعزيز الالتزام المواطن ومحاربة الفساد من خلال التوعية، والرقابة المجتمعية، والمبادرات المدنية، مقدماً مقترحات عملية لتجاوز التحديات التي تحد من انخراطهم، مثل ضعف الوعي والصعوبات الإجرائية.
واختتمت الجلسة الأولى بمداخلتين حول دور آلية العرائض والتشاور العمومي في تعزيز الشفافية والحكامة المحلية، حيث أوضح المتدخلون كيف تمكن هذه الآليات المواطن من التحول إلى فاعل يشارك في اقتراح السياسات وحل المشكلات، مع التأكيد على التحديات التي تواجه تفعيلها.
– دور الجماعات الترابية في تعزيز الشفافية
في الجلسة الثانية، أكدت السيدة حكيمة حروزة، رئيسة جماعة القنيطرة، أهمية هذا اللقاء كفرصة للحوار بين المجتمع المدني ومدبري الشأن المحلي، مشيرة إلى انفتاح الجماعة على النقد البناء. كما قدم ممثل الجماعة عرضاً حول الإجراءات المتخذة لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، خاصة عبر الرقمنة وتوفير الخدمات الإلكترونية التي تهدف إلى تقليص الاحتكاك بين الموظفين والمرتفقين وتبسيط الإجراءات.
كما تناولت مداخلة ممثل هيئة تكافؤ الفرص والمساواة لدى جماعة القنيطرة دور الهيئة في ترسيخ مبدأ المشاركة المواطنة على صعيد الجماعة، مشدداً على دورها الاستشاري والاقتراحي في تعزيز التنمية المحلية.
وكانت آخر المداخلات للكاتب العام لجمعية “من أجل الشباب” وعضو لجنة إشراف برنامج انفتاح جماعة القنيطرة، حيث سلط الضوء على أهمية انخراط الجماعات الترابية في ترسيخ مبادئ الانفتاح عبر تعزيز الشفافية وإشراك المواطنين في صياغة السياسات العمومية.
– توصيات أولية نحو مواطنة فاعلة
شهدت نهاية الجلسات نقاشاً تفاعلياً كبيراً، حيث أكد الحاضرون على أهمية مبادرة الهيئة الوطنية للنزاهة في توفير فضاء للحوار بين المجتمع المدني والمسؤولين المحليين. وتضمنت المداخلات أسئلة وانشغالات عميقة بأهمية الإنصات للمبادرات المجتمعية وإشراك المواطنين في إعداد المشاريع وتحديد الأولويات، مع انتقادات لبعض الممارسات التي تتسم بعدم الإشراك المنتظم.
خرجت الندوة بعدد من التوصيات الأولية، أبرزها:
– التركيز على الأطفال والشباب وتوفير ورشات توعية بأخلاقيات المواطنة والنزاهة، ودعم انخراطهم الفعلي كقوة اقتراحية.
– إيلاء اهتمام خاص للعالم القروي نظراً لتفشي الفساد والنقص في الوعي بهذه المناطق.
– التركيز على دور المؤسسات التربوية في نشر قيم النزاهة والشفافية.
– تجنب التعميم في الأحكام لعدم إحباط المبادرات الإيجابية.
– أهمية مراعاة الكفاءة في اختيار أعضاء الهيئات الاستشارية بالجماعات الترابية.
تؤكد هذه الندوة على أن مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية هو ورش وطني يتطلب تضافر جهود الجميع لبناء مجتمع تكون فيه الصحة حقاً مضموناً والفساد استثناءً محارباً.



