
بقلم : إيناس أصدور-ترجمة : زهير أصدور
في عالم متغير تتسارع فيه الأحداث وتتداخل فيه التحديات، يقف الشباب على مفترق طرق يحمل في طياته آمالًا كبيرة ومسؤوليات جسيمة. هم جسر الحاضر إلى المستقبل، وصنّاع التغيير الذين سيكتبون تاريخ أوطانهم بيدهم. ومن منطلق هذا الإيمان العميق بأهمية دور الشباب، أجد نفسي اليوم – كمواطنة مغربية شابة – مدفوعة بشغف كبير نحو العمل الإنساني وخدمة المجتمع، حاملة رسالة أمل ورغبة في إحداث أثر حقيقي.
تواجه شبابنا اليوم تحديات عدة، أبرزها إشكالية الهوية وسط ضغط اجتماعي قوي على الظهور بصورة محددة ترضي الآخرين، لا تعبر عن الذات الحقيقية. فمع تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، يعيش الكثيرون في ظل صورة مصطنعة، يخشون فقدان القبول أو التعرض للنقد إذا لم يتوافقوا مع معايير محددة، سواء كانت مادية أو سلوكية. وهذا الضغط يبعدهم عن أصالتهم وفرادتهم، التي هي جوهر الإنسان والركيزة الأساسية لأي تأثير إيجابي في المجتمع.
إضافة إلى ذلك، تشكل التكنولوجيا، وعلى وجه الخصوص الهواتف الذكية وظاهرة “التمرير السلبي” المستمر للمحتوى، عائقًا كبيرًا أمام استثمار الشباب في تحقيق إمكاناتهم الحقيقية. فبدل أن يركزوا على بناء مستقبلهم وترك أثر إيجابي، ينشغلون غالبًا بالردود اللحظية والتسلية العابرة، مما يستهلك وقتهم وطاقاتهم دون جدوى.
وهنا تكمن أهمية التحدي الأكبر: تجاوز القبول بالواقع كما هو، والتشجيع على التفكير النقدي والإبداعي لمواجهة الظلم والخلل وإحداث التغيير المنشود. يجب أن نزرع في نفوس شبابنا حس المسؤولية تجاه حاضرهم ومستقبل أجيالهم القادمة، فالأطفال الذين نربيهم اليوم سيحملون راية الوطن غدًا، ومن واجبنا أن نهيئ لهم بيئة تيسر طريقهم بدلًا من تعقيدها.
على الرغم من الحواجز، أشهد اليوم في المغرب جهودًا ملهمة يقودها شبابٌ طموح، يؤسسون نوادي ومنظمات غير حكومية، يشاركون في مبادرات تطوعية وجلسات توجيه، ويرفعون أصواتهم أمام الحكومات والمنظمات الدولية. وأنا شخصيًا أشارك في هذا الحراك من خلال انضمامي لمنظمات تدعم صوت الشباب، وأسعى لتأسيس منظمة خاصة بي تسعى لخدمة الفئات المحتاجة.
إن ما يشدني حقًا هو رؤية تحول في علاقة الأجيال، حيث بدأ البالغون الذين كانوا في السابق بعيدين يشعرون بأهمية الاستماع إلى الشباب وفهم تطلعاتهم. هذا التعاون بين الأجيال يُعد خطوة جوهرية نحو بناء مستقبل يعكس تطلعات الجميع.
لكي تنمو هذه الأفكار وتتحول إلى واقع ملموس، نحتاج إلى رفع مستوى الوعي داخل المجتمع الشبابي، وتوفير أدوات وإرشادات واضحة تسهل على الشباب تحويل أفكارهم إلى أفعال. كثيرًا ما تعترض الشباب عقبات تتعلق بنقص المعرفة بكيفية المشاركة أو قلة الدعم المؤسسي، لذا من الضروري توفير مسارات واضحة ومنصات تمكينية، وخاصة على المستوى الدولي مثل الأمم المتحدة.
في نهاية المطاف، إن تمكين الشباب من اكتشاف هويتهم الحقيقية عبر تعليم نوعي شامل، لا يقتصر على المواد الأكاديمية فحسب، بل يشمل مهارات الحياة والوعي الذاتي، إضافة إلى العناية بالصحة النفسية والجسدية، هو السبيل لتحقيق مجتمع متماسك ومزدهر. فالصحة النفسية، خاصة في ظل التحديات المعاصرة، تستحق اهتمامًا أكبر لضمان استقرار وسلامة الأفراد.
الشباب هم مستقبلنا، ومن خلال دعمهم وإزالة العقبات أمامهم، نستطيع أن نصنع غدًا أفضل، جيلًا يكتب التاريخ بحروف من نور، جيلًا يرفع راية التغيير والإبداع والسلام.



