مع الكبار نرتقي.. شهادة في حق الفنان علال ميمون بمناسبة توقيع ديوانه “الدنيا رواية”

القبطان عبد اللھ دكدوك
في لحظة من لحظات الوفاء والاعتراف برموز الفن الأصيل، كان لي شرف تقديم شهادة في حق الفنان العصامي علال ميمون، وذلك خلال حفل توقيع ديوانه الشعري الجديد الموسوم بـ”الدنيا رواية”، مساء يوم أمس، في حفل حضرته نخبة من المبدعين والمهتمين بالشأن الثقافي.
-حين يُقصى الفن، ويُهمَّش الكبار… يبقى علال ميمون وصمة في جبين الجاحدين ووساماً في صدر المنصفين
في زمنٍ تتناسل فيه الأضواء على من لا يستحق، وتُطفأ عمدًا عن شموعٍ أضاءت لسنين طويلة دروب الفن والإبداع، نقف اليوم أمام لحظة من لحظات الإنصاف المتأخر. لكنها، رغم تأخرها، تبقى أصدق من نسيانٍ جاحد، وأبلغ من صمتٍ طال أمده.
بدعوة واقتراح كريم من الأستاذ الباحث جمال عبد الدين المرزوقي،
وبتنسيق بديع من قبل الاستاذ المتعدد المشارب محمد بالرحيلة أُتيح لي أن أتشرف بالوقوف اليوم في هذا المقام، لا لأمدح، بل لأشهد. لا لأجامل، بل لأقول الحقيقة كما هي، في وجه نسيانٍ طال، وصمتٍ لم يعد بريئًا.
إن الحديث عن الحاج علال ميمون ليس حديثًا عن فرد، بل عن ذاكرة فنية وثقافية لوطن بأكمله. والحديث عنه لا ينفصل عن الحديث عن مدينة زرهون، المدينة الصغيرة جغرافيًّا، الكبيرة بتاريخها العريق، الضاربة في عمق الحضارات. المدينة التي لا أنكر فضلها، لكنني لا أغض الطرف عن أولئك الذين كانوا ولا يزالون سدًّا منيعًا أمام تحقيق أبنائها لأمانيهم وترصيع تجاربهم الرائدة.
وأوضح مثال على ذلك هو المحتفى به اليوم، الحاج علال ميمون، الفنان المتعدد، الذي أعطى لزرهون الكثير، ولم يجْنِ من ثمارها إلا ما أحاله إلى هامشها، لا لشيء سوى لأنه وجد نفسه في غير مكانه جغرافيًّا وتاريخيًّا. فطورد بفعل موهبته، وحورب لأن حضوره يربك حسابات الواجهة.
فـعلال ميمون أحد الفاعلين الأساسيين في جمعية شباب الفن، الجمعية الأم بمدينة زرهون، التي أنجبت طاقات مسرحية نادرة، وقدّمت أعمالًا رائدة، من أبرزها مسرحية “النخلة”، التي أُنجزت في فضاء عام، بتوقيع المخرج الراحل قدور غرداس، حيث كان التوظيف الذكي للمكان والموضوع والممثلين، وكان علال ميمون أحد أبطال العمل، بأداء ملحمي استثنائي.
لكن المسرح كان نافذة من نوافذ إبداعه فقط. فقد كان أيضًا من مؤسسي فرقة “صدى وليلي”، الفرقة التي سبقت ناس الغيوان وجيل جيلالة، وسبقتهم في استلهام التراث، وتحويله إلى خطاب فني شعبي مقاوم. ولكن، وككل فكرة عظيمة، سُرقت التجربة، ونُسبت لغير أصحابها، فاستفاد آخرون من مجدٍ لم يصنعوه.
هو أيضًا عازف فذّ على آلات متعددة كالعود، الكمان، الغيتار، الترومبيت، والناي الذي يعزفه بإتقان يلامس العالمية. ومع ذلك، ظل يُستدعى فقط لسدّ الفراغات، ولم يُحتفَ بفنه كما يليق.
لقد أسّس أول جوق احترافي بزرهون، وخرج من رحم جوقه فرق عديدة، منها جوق الرهوني جبران واخرون ورغم عبقريته الموسيقية، لم يُمنح فرصة التطوير، بسبب غياب الدعم، وضيق الأفق، والحسد الذي طال نجوميته.
ومع ذلك، لم يتوقف عن العطاء. فقد ظل، من خلال مهنته الأصلية، ومن خلال انخراطه العميق في الحركات الكشفية، يؤطر أجيالًا ويزرع القيم والفن، لكن يده كانت دومًا ممدودة بالعطاء، بينما يد البعض كانت منشغلة بدفعه خارج المشهد.
الذين ساهموا في تغييب اسمه، لم يفعلوا ذلك عن جهل، بل عن خوف من عبقريته. فموهبته تكشف خواءهم، وصوته الصادق يفضح ابتذالهم.
ومع ذلك، هناك دومًا بصيص أمل.
فاليوم، وبهذا الحفل الرفيع، نجد من أعاد لهذا الاسم بهاءه ومكانته. ونرفع القبعة لـجمعية المنتدى المغربي الإفريقي للتعاون الدولي بمكناس، برئاسة الأستاذ حفيظ حافظي العلوي، على تنظيمها حفل توقيع الديوان الزجلي الدنيا رواية لهذا الفنان الكبير، في لحظة وفاء قلّ نظيرها، تؤكد أن بعض المؤسسات ما زالت تؤمن بأن الفن ذاكرة لا يجب طمسها.
كما لا يفوتني أن أشيد بـبرنامج “حديث الثلاثاء” ومعدّه الأستاذ عبد الله دكدوك، ومؤسسة على صفحتي علم الدولية للإبداع والمبدعين – فكر، ثقافة، وعلوم، وكل من يعمل بإخلاص على إعادة الاعتبار لمبدعي زرهون وهذا الوطن الذي نتنفسه عشقًا.
وكم تمنيت لو أسعفني الوقت لأقول أكثر، ولأفي الرجل حقه كما يستحق، ولكنني أكتفي لأقول:
> للتاريخ أقلامٌ لا تموت، ستنصف الفنان علال ميمون، كما أنصفه اليوم هذا اللقاء المبارك.
وأتمنى من مبدعي ومثقفي زرهون أن لا ينسوا تدوين هذا الاسم وأمثاله، فهم كثر، وما أكثر الظلال التي أخفت شموسهم.
وقبل أن أضع النقطة الأخيرة، لا بد من سؤال مؤلم، سؤال وجب أن يُطرح بقوة ووضوح:
> بأي وجهٍ تُقصى قامة كالحاج علال ميمون عن المشهد الثقافي والفني في زرهون؟
وبأي منطق لا يُعترف له، وهو من حمل زرهون فنًا، وكتب اسمها نغمةً وصوتًا وخشبةً؟
وحتى لا أنسى، لا بد أن أخص بالشكر العميق وسائل الإعلام بمختلف أطيافها، التي بدأت مؤخراً تفتح نوافذها لصوت هذا الفنان العصامي المتفرّد.
ويبقى الرجاء، ومن خلال مثل هذه المبادرات الإنسانية الراقية، أن تقوم القنوات الرسمية كذلك باستضافته، أو تخصيص روبوتاج كامل باسمه، اعترافاً وتأريخاً وإنصافاً لفنانٍ، لو أُتيحت له الفرصة، لكان اليوم اسماً عالمياً بكل المقاييس… وهو كذلك بالفعل.
وشكرًا لكم جميعًا،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.



