Hot eventsأخبارأخبار سريعةالناس و الحياة

رؤية المنظمة الديمقراطية للشغل لإصلاح التقاعد في المغرب: نحو نظام شامل ومستدام

ابو رضى

تعاني منظومة التقاعد في المغرب من أزمة هيكلية مزمنة تهدد استدامتها وتقوض مبادئ العدالة الاجتماعية. في ظل الضغوط الديموغرافية وتدهور النسبة بين المشتركين والمتقاعدين، بالإضافة إلى ضعف التغطية الاجتماعية للعديد من الفئات العاملة، بات الإصلاح الشامل ضرورة ملحة. وقد كشفت العديد من الدراسات وتقارير المؤسسات المالية والدستورية الوطنية عن تحديات مالية خطيرة تواجه صناديق التقاعد، مما يتطلب معالجة جذرية تتجاوز الحلول الترقيعية.

التحديات الراهنة: أزمة ديموغرافية واجتماعية

تتلخص أبرز التحديات التي تواجه نظام التقاعد المغربي في عاملين رئيسيين:

  • الصدمة الديموغرافية: ارتفاع متوسط العمر المتوقع (76 سنة) وانخفاض معدل المواليد والخصوبة (2.3) يؤديان إلى إطالة أمد صرف المعاشات وقلة عدد المساهمين الشباب. وقد تدهورت النسبة الديموغرافية بين المشتركين والمتقاعدين بشكل حاد، حيث انخفضت من 4.5 مشترك لكل متقاعد عام 2000 إلى 1.8 عام 2023.
  • ضعف التغطية الاجتماعية: يفتقر حوالي 54% من القوة العاملة المغربية (6.3 مليون عامل) لأي تغطية تقاعدية، بمن فيهم عمال القطاع غير المهيكل، العمال المستقلون، الفلاحون، وربات البيوت. هذا الوضع يؤدي إلى وصول ملايين المغاربة إلى سن التقاعد دون أي دخل، مما يفاقم فقر المسنين ويزيد من الاعتماد على التضامن الأسري.

الوضعية الحالية لصناديق التقاعد: أنظمة مجزأة ومعاشات هزيلة

تتميز منظومة التقاعد المغربية بتعدد الأنظمة واختلاف هيكلتها، حيث توجد أربعة صناديق أساسية (الصندوق المغربي للتقاعد، الصندوق الجماعي لمنح رواتب التقاعد، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والصندوق المهني المغربي للتقاعد). هذا التعدد يخلق تفاوتات صارخة بين فئات المنخرطين ويحد من نجاعة النظام.

بالإضافة إلى ذلك، فإن مستويات المعاشات غالبًا ما تكون منخفضة، لا سيما في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، حيث يبلغ سقف المعاش 6000 درهم. ويعود هذا إلى المسارات المهنية غير المكتملة أو المتقطعة والتصريح الناقص بالأجور. الحد الأدنى للمعاشات لا يكفي لضمان عيش كريم، إذ يبلغ 1500 درهم شهريًا في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو أقل من خط الفقر الوطني (2600 درهم)، مع عدم وجود زيادة في المعاشات منذ أكثر من 25 سنة، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية بفعل التضخم.

فشل المقاربات السابقة وضرورة الإصلاح الشامل

أثبت الإصلاح المعياري لسنة 2016، الذي تبنته حكومة بنكيران، فشله في تحقيق الاستدامة المالية المرجوة. فبموجب هذا الإصلاح، تم رفع سن التقاعد إلى 63 سنة وزيادة المساهمات، مما أدى إلى تراجع قيمة المعاشات بشكل كبير وأثار احتجاجات واسعة. ورغم هذه التجربة الفاشلة، تشير التصريحات الحكومية الحالية إلى العودة لسيناريو المعالجة المعيارية برفع نسب الاشتراكات وسن التقاعد إلى 65 سنة، بما في ذلك القطاع الخاص، وهو ما ترفضه المنظمة الديمقراطية للشغل (ODT) بشدة.

رؤية المنظمة الديمقراطية للشغل: نحو نظام ثنائي الأقطاب وموحد

تؤمن المنظمة الديمقراطية للشغل بأن الإصلاح العادل والمستدام يكمن في إرساء نظام ثنائي الأقطاب (عمومي وخاص) يشكل أساسًا لنظام موحد يضمن الإنصاف والديمومة. وتهدف هذه الرؤية إلى تحقيق الاستدامة، وضمان معاش كريم، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والحفاظ على المكتسبات للمنخرطين الحاليين.

تقترح المنظمة بناء نظام موحد على ثلاث دعامات رئيسية:

  1. التقاعد الإجباري: يعتمد على قاعدة التوزيع ويشمل جميع العاملين في القطاعين العام والخاص وغير الأجراء.
  2. التقاعد التكميلي: يقوم على مبدأ المساهمة لرفع قيمة المعاش.
  3. تحسين الحكامة: إرساء آليات حكامة فعالة وشفافة، مع فصل واضح بين الصلاحيات وتمثيلية حقيقية للشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين.

كما تدعو المنظمة إلى إعادة هيكلة ديون الصناديق الحالية عبر إعادة جدولة الديون العمومية ومراجعة سياسات استثمار الاحتياطيات.

آليات مقترحة لتحقيق الأهداف: عدالة، كفاءة، وحماية

لتحقيق أهدافها، تقترح المنظمة الديمقراطية للشغل مجموعة من الآليات:

  • تعميم التقاعد: يشمل كل من لا يحصل على تغطية تقاعدية حاليًا.
  • رفع الحد الأدنى للمعاش التقاعدي: إلى 3500 درهم لضمان حياة كريمة للمتقاعدين.
  • إنشاء صندوق التضامن الوطني: لتمويل العجز عبر ضريبة على القطاع المالي، نسبة من أرباح شركات المحروقات، ومنحة سنوية من الميزانية.
  • آلية الربط الآلي بالتضخم: لتعديل المعاشات سنويًا حسب معدل التضخم.
  • حماية الفئات الهشة: مثل التقاعد المبكر عند 60 سنة للمهن الشاقة، واحتساب فترات الأمومة والبطالة الظرفية ضمن مدة الاشتراك.
  • إلغاء التسقيف: لضمان حصول المتقاعد على معاش يعكس كامل مساهماته ودخله.
  • حرية اختيار سن التقاعد: 60 سنة كقاعدة، مع إتاحة المرونة للاستمرار حتى 65 سنة لمن يرغب.
  • تحسين معاشات المتقاعدين الحاليين: ورفع قيمة المعاشات المجمدة منذ 25 سنة، بالإضافة إلى صرف مكافأة نهاية الخدمة.
  • إصلاح حكامة الصناديق: وتعزيز الشفافية والكفاءة في إدارتها.

الإرادة السياسية والحوار الاجتماعي: مفتاح النجاح

تؤكد المنظمة على أن نجاح أي إصلاح جوهري يعتمد على توفر إرادة سياسية حقيقية لتبني حلول مستدامة وعادلة، وإشراك النقابات وأرباب العمل في تصميم وتنفيذ الإصلاح بشكل مثمر، وجعل الحوار الاجتماعي أساسًا لأي توافق. كما تطالب بإدراج الحق في “تقاعد كريم” ضمن الدستور والتنصيص الصريح على حظر أي تأخير أو مصادرة للمعاشات.

تختتم المنظمة رؤيتها بالتأكيد على أن الإصلاح الهيكلي الشجاع يجب أن يخلق نظامًا موحدًا، منصفًا، ومستدامًا، قادرًا على صون كرامة المتقاعدين وتحقيق العدالة الاجتماعية بين الأجيال، مع ضرورة فرض ضرائب على رأس المال بدلاً من العمالة، والتوزيع العادل للثروة.

 

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button