أخبارالرئيسيةالعالمتقارير وملفات

فرنسا أمام مفترق سياسي جديد بعد استقالة الحكومة

باريس-فاطمة بالعربي

تعيش فرنسا منذ أيام على وقع أزمة سياسية متصاعدة بعد استقالة رئيس الوزراء سباستيان ليكورنو، الذي قدّم استقالته رسميًا إلى الرئيس إيمانويل ماكرون يوم 6 أكتوبر، عقب فشل حكومته في نيل ثقة الجمعية الوطنية.

بهذه الاستقالة، تدخل فرنسا مرحلة سياسية دقيقة، تُعدّ من أصعب ما عرفته الجمهورية الخامسة في السنوات الأخيرة، إذ لم تعد البلاد تمتلك أغلبية برلمانية واضحة تدعم أي حكومة مستقرة منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة.

خلفية الأزمة

تعود جذور الأزمة إلى التشتت السياسي في البرلمان، حيث فشلت حكومة فرانسوا بايرو السابقة في تمرير قانون الموازنة، ما أدى إلى تصويت بحجب الثقة أطاح بها.

حاول الرئيس ماكرون امتصاص الغضب الشعبي والبرلماني عبر تكليف وزير الدفاع السابق سباستيان ليكورنو بتشكيل حكومة تكنوقراط مصغّرة، لكن المعارضة اليسارية واليمين المتطرف رفضتا منحها الثقة.

البحث عن رئيس وزراء جديد

الرئيس ماكرون أعلن أنه سيعيّن رئيس وزراء جديد خلال 48 ساعة، في محاولة لإعادة الاستقرار إلى المشهد السياسي قبل مناقشة ميزانية 2026.

وحسب مصادر قصر الإليزيه، يُدرس حالياً عدد من الأسماء البارزة، من بينها: برونو لو مير، وزير الاقتصاد المخضرم المقرب من الرئيس؛كاثرين فوتران، رئيسة مجلس النواب؛وإدوارد فيليب، رئيس الوزراء الأسبق، كخيار توافقي محتمل.

الانقسام السياسي والضغوط الشعبية

الانقسام داخل البرلمان الفرنسي بلغ ذروته، بينما تتصاعد الضغوط من الشارع والنقابات التي تطالب بسياسات اجتماعية أكثر عدلاً ومراجعة إصلاحات التقاعد والضرائب.أما اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان، فيعتبر أن “الفشل المتكرر للحكومات المتعاقبة” يعبّر عن نهاية مرحلة ماكرون السياسية، داعياً إلى انتخابات تشريعية مبكرة.

السيناريوهات المحتملة

أمام ماكرون اليوم ثلاثة خيارات رئيسية:

1. تعيين حكومة توافقية تضم شخصيات من أطراف مختلفة لتجاوز الأزمة مؤقتاً؛

2. الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة، وهو خيار محفوف بالمخاطر بسبب احتمال صعود اليمين المتطرف؛

3. أو تشكيل حكومة تصريف أعمال إلى حين استقرار الأوضاع السياسية.

فرنسا على أعتاب مرحلة من الغموض السياسي

بين الحسابات السياسية والرغبة في الحفاظ على توازن مؤسسات الجمهورية، تبدو فرنسا على أعتاب مرحلة جديدة من الغموض السياسي.وفي انتظار قرار الرئيس ماكرون خلال الأيام القادمة، يبقى الشارع الفرنسي منقسماً بين القلق من الشلل الحكومي والأمل في بروز قيادة جديدة قادرة على إعادة الثقة بين الدولة والمواطنين.

أزمة باريس بين الداخل الأوروبي والشارع الفرنسي

أولاً: التأثير على مكانة فرنسا داخل الاتحاد الأوروبيالأزمة الحكومية الفرنسية تأتي في وقت حساس بالنسبة للاتحاد الأوروبي، حيث تواجه أوروبا تحديات كبرى تتعلق بالأمن، بالهجرة، وبالسياسة الاقتصادية المشتركة.استقالة حكومة ليكورنو وغياب استقرار سياسي في باريس يُضعف صوت فرنسا داخل المؤسسات الأوروبية، خصوصاً في ظل:المنافسة الألمانية التي تسعى إلى قيادة ملفات الطاقة والدفاع؛وتراجع الحضور الفرنسي في ملفات أفريقيا والبحر المتوسط بعد انسحاب قواتها من عدة مناطق.الدبلوماسيون الأوروبيون يعتبرون أن “غياب حكومة مستقرة في باريس” يعني تراجع المبادرة الفرنسية في الملفات الكبرى مثل الدفاع الأوروبي المشترك، والسياسة الخارجية تجاه روسيا وأوكرانيا.

كما أن المفاوضات الاقتصادية داخل الاتحاد، خصوصاً بشأن موازنة 2026 الأوروبية، قد تتأثر بتردد باريس في اتخاذ قرارات حاسمة خلال هذه الفترة الانتقالية.

ثانياً: تراجع شعبية الرئيس إيمانويل ماكرونمن الناحية الداخلية، يعيش الرئيس ماكرون واحدة من أدق لحظات ولايته الثانية.فبعد مرور أكثر من عامين على إعادة انتخابه، تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن شعبيته تراجعت إلى ما دون 28٪، وهو أدنى مستوى منذ أزمة السترات الصفراء عام 2019.

أسباب هذا التراجع تعود إلى شعور فئات واسعة من الفرنسيين بأن السلطة التنفيذية فقدت الاتصال بالواقع الاجتماعي؛استمرار الأزمة الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة؛واعتقاد جزء من الناخبين بأن ماكرون يُناور أكثر مما يحكم، بتغيير الحكومات دون إصلاحات ملموسة.

بعض المحللين يرون أن هذه الأزمة قد تُجبر ماكرون على تغيير نهجه السياسي، والبحث عن تحالفات جديدة مع المعتدلين في اليمين أو اليسار لتجنب العزلة التامة.

ثالثاً: آفاق المستقبلفرنسا تقف الآن أمام اختبار سياسي صعب:هل سينجح ماكرون في استعادة المبادرة بتعيين رئيس وزراء توافقي يعيد الثقة للمؤسسات؟أم أن البلاد تتجه نحو انتخابات مبكرة قد تُغيّر موازين القوى جذرياً وتفتح الباب أمام اليمين المتطرف؟المؤكد أن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة لمستقبل الجمهورية الخامسة، وللدور الذي يمكن أن تلعبه فرنسا في أوروبا والعالم خلال السنوات القادمة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button