في قلب العاصمة الجزائرية، حيث تعج الصحف الوطنية بنظريات المؤامرة كما تعج السوق بالبضائع المستوردة، طفت إلى السطح مؤخراً مادة صحفية مستفزة بعنوان “فرنسا تلعب بالنار”، التي أشارت إلى مخطط فرنسي–مغربي معقد، يهدف إلى إشعال حرب إقليمية عبر تسليح المغرب ودفعه للهجوم على الجزائر. هذا السيناريو الخيالي الذي نشرته صحيفة “الخبر” الجزائرية لا يمكن وصفه إلا بأنه رحلة جديدة في عالم الأوهام التي تضج بها الصحافة المحلية في دولة الكبرانات.
أعادت الصحيفة طرح تساؤلات مشوقة مثل: “هل تحضّر فرنسا لعمل عدائي ضد الجزائر؟” أو “هل يدير الإليزيه بالفعل خطة عسكرية سرية؟”. ولإضفاء المصداقية على هذه الاتهامات، زعمت الصحيفة أن فرنسا قد خزنت شحنات كبيرة من الأسلحة في ميناء مرسيليا، موجهة إلى المغرب، لكن دون تقديم أي دليل حقيقي. وكأن العالم بأسره يجتمع الآن ضد الجزائر في مسلسل من الأكاذيب المنسوجة بعناية!
في الواقع، المغرب منذ عقود لم يتخذ أي خطوة تصعيدية رغم الاستفزازات الجزائرية المستمرة. فإذا كانت فرنسا والمغرب حقاً يخططان لهجوم على الجزائر، فأين كانت هذه الخطط أثناء السنوات التي مرت ولم نرَ من المغرب إلا مساعي جادة لبناء علاقات دبلوماسية مع فرنسا؟
الأمر المثير للسخرية هو كيف تم تحوير زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب إلى دليل على “مؤامرة كبرى”. فزيارة ماكرون التي تضمنت اتفاقات اقتصادية ودبلوماسية مفيدة للطرفين، لا علاقة لها بتأجيج التوترات العسكرية أو خلق أعداء وهميين. لكن في الجزائر، أي خطوة مغربية تجاه الخارج يتم تفسيرها على أنها تهديد مباشر للأمن القومي للجينرالات.
لكن الأغرب من ذلك هو تصوير الجزائر كداعم رئيسي للسلام والاستقرار الإقليمي، بينما تقف وراء الستار في العديد من الأزمات الإقليمية. الجزائر تعيش في وهم كبير بأنها قادرة على خلق “أعداء” لكل من يعارض أطروحاتها.
يجب أن نتساءل: هل الجزائر بحاجة حقاً لهذا النوع من الصحافة التي تروج للعداوات المزعومة؟ أم أنها تستغل هذه الخطابات لتمرير سياسة عزل دول الجوار عن العالم؟ الجواب بسيط: إن ما يحدث ليس سوى محاولة للهروب من الواقع، فبينما يتجه المغرب نحو تعاون دولي مثمر، الجزائر ما زالت غارقة في هوس العداء مع جيرانها.
