Hot eventsأخبارأخبار سريعةعين الحدث الافريقي

التربية الدامجة بين “التدرج” والتراجع.. حين يصبح الحق قابلاً للتأجيل

يثير مشروع قانون رقم 59.21 المتعلق بالتعليم المدرسي، وقبل استكمال مسطرة المصادقة عليه بمجلس المستشارين، قلقًا مشروعًا لدى الفاعلين في مجال التربية الدامجة، ليس فقط بسبب صياغته القانونية، بل لما تحمله بعض مواده من تراجع صريح عن مكتسبات حقوقية راكمها المغرب خلال السنوات الأخيرة.

المرصد المغربي للتربية الدامجة دق ناقوس الخطر بخصوص المادتين 12 و16، معتبراً أن الحديث عن “التعميم التدريجي” للتربية الدامجة بعد ثماني سنوات من صدور القانون الإطار 51.17، لا يمكن قراءته إلا كالتفاف على حق تمكيني، جرى الحسم فيه تشريعيًا واستراتيجيًا، لا كخيار ظرفي أو تجريبي.

فكيف يمكن تبرير التدرج في حق دستوري وإنساني، بينما التأخير في تفعيله يُنتج، بشكل مباشر، وضعيات تمييز وإقصاء؟ وأي رسالة يبعثها المشرّع حين يُقصي التعليم الدامج من هيكلة التعليم، في الوقت الذي يتم فيه التنصيص على مكونات أخرى أقل حساسية من حيث الأثر الاجتماعي والحقوقي؟

إن ما يثير القلق أكثر، هو هذا التناقض الصارخ بين الخطاب الرسمي الذي يرفع شعار الإنصاف وتكافؤ الفرص، وبين الصياغات القانونية التي تُفرغ هذه الشعارات من مضمونها. فالرؤية الاستراتيجية 2015-2030، والقوانين الإطارية ذات الصلة، لم تترك مجالًا للبس: التربية الدامجة رافعة أساسية، لا هامشًا قابلاً للحذف أو التأجيل.

الخطير في الأمر أن هذا التراجع لا يقف عند حدود التعليم العمومي، بل يمتد إلى التعليم الخصوصي، حيث تم التخفيف من إلزامية استقبال التلاميذ في وضعية إعاقة، وتحويل مبدأ الحق إلى استثناء مشروط، وهو ما يفتح الباب أمام ممارسات إقصائية مغطاة قانونيًا.

إن اعتبار التربية الدامجة “مكلفة” أو “غير جاهزة للتعميم” لم يعد مقنعًا، خاصة في ظل الميزانيات المرصودة لقطاع التعليم، وفي ظل التزامات المغرب الدولية. فكما يؤكد خبراء المجال، التدرج لا يُستعمل إلا في غياب الإمكانيات، لا في غياب الإرادة.

اليوم، لا يحتاج المغرب إلى قوانين تُعيدنا خطوة إلى الوراء، بل إلى تشريعات شجاعة تُترجم الإرادة السياسية إلى حقوق ملموسة داخل الأقسام الدراسية. فالتعليم الدامج ليس منّة، ولا تجربة، بل حق أصيل، وكل تأجيل له هو إقصاء مؤجل، وثمنه تؤديه فئة من أكثر الفئات هشاشة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button