
أكد محمد المهدي بنسعيد،وزير الشباب والثقافة والتواصل أن مدينة فاس مطالبة اليوم بإطلاق دينامية جديدة تستند إلى الاستثمار المحلي والتحول الثقافي حتى تتمكن من مواكبة الاستحقاقات الرياضية الكبرى التي تنتظر المغرب، وفي مقدمتها كأس الأمم الإفريقية 2025 وكأس العالم 2030.
وجاءت هذه الدعوة خلال مشاركة الوزير في لقاء نظمته المديرية الجهوية للوزارة بجهة فاس-مكناس تحت عنوان: «مساهمة المهرجانات في الاقتصاد»وذلك بحضور ممثلين عن المجتمع المدني وفاعلين ثقافيين وعدد من الشباب المهتمين بالحقل الثقافي والتنمية الترابية.
الثقافة والاستثمار ركيزتان لتحول المدينة
وشدد بنسعيد في مداخلته على أن التحول الثقافي ليس ترفا بل هو ضرورة تنموية توازي في أهميتها الاستعدادات اللوجستية والبنية التحتية للمحطات الرياضية الكبرى. وأضاف أن مدينة فاس،بتاريخها العريق وتراثها الغني تتوفر على إمكانيات ضخمة ينبغي استثمارها بشكل ذكي ومستدام،من خلال تحفيز الفعل الثقافي المحلي-تعزيز العرض السياحي وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار.
وأشار الوزير إلى أن استضافة المغرب لهذه التظاهرات القارية والعالمية يشكل فرصة نادرة لتحفيز الاقتصاد المحلي، شريطة تعبئة كل الطاقات وخلق عرض ثقافي متكامل ومتنوع يعكس هوية المدينة ويواكب انتظارات الزوار والسياح.
المجتمع المحلي في صلب المعادلة
وفي سياق متصل، دعا الوزير إلى انخراط حقيقي وفعال لمختلف مكونات المجتمع الفاسي من أسر وشباب ومؤسسات في هذا الورش الجماعي،مؤكدا أن التحول لا يمكن أن يكون ناجحا إذا لم ينطلق من داخل المجتمع نفسه.واعتبر أن الثقافة ليست فقط ترفيها بل أداة لإعادة بناء الثقة في الذات ووسيلة لتحقيق الاندماج الاقتصادي والاجتماعي.
وتساءل بنسعيد عن العوامل التي تحدد اختيار السائح لوجهة دون أخرى،مبرزا أن جودة الخدمات وتنوع الأنشطة الثقافية ودفء العلاقات الإنسانية كلها عناصر تؤثر بشكل مباشر في جاذبية المدن.
نحو بدائل حقيقية للشباب
كما أشار الوزير إلى أن الشباب المغربي وخاصة في فاس في حاجة إلى بدائل واقعية داخل مدينتهم تمكنهم من تحقيق ذواتهم وتمنحهم فرصا للإبداع والعمل والعيش الكريم. وأكد أن دعم المبادرات الشبابية في المجال الثقافي والاقتصادي سيؤدي إلى خلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة وإنتاج قيمة مضافة تساهم في تنمية المدينة.
التحول الذهني شرط للتغيير الفعلي
واختتم الوزير كلمته بالتأكيد على أن أي مشروع تنموي لا يمكن أن ينجح دون حدوث تحول ذهني حقيقي داخل المجتمع قائلا:
«إذا لم يتحقق هذا التحول لدى الساكنة،ستظل الفرص قائمة دون أن تجد من يستثمرها»، في إشارة واضحة إلى أهمية بناء وعي جماعي جديد يؤمن بأهمية الثقافة كمحرك للتنمية وبضرورة تجاوز النظرة التقليدية لدور الدولة وحدها في هذا المسار.
المدن التاريخية في الاقتصاد الثقافي: فاس نموذجا في أفق 2030
في ظل الاستعدادات الجارية لاحتضان المغرب لكأس الأمم الإفريقية 2025 وكأس العالم 2030 تبرز مدينة فاس كأحد النماذج الحية للمدن التاريخية التي تواجه تحديات كبرى من أجل التحول إلى فاعل اقتصادي وثقافي في منظومة التنمية الوطنية. ففاس باعتبارها أقدم مدينة عريقة في المغرب وموطنا لأول جامعة في العالم (جامعة القرويين) تحمل رصيدا حضاريا ضخما يمكن أن يتحول إلى رأسمال ثقافي واقتصادي استثنائي إذا ما تم استثماره بذكاء.
مدينة بذاكرةوطموحات عصرية
فاس ليست مجرد معلم أثري, إنها مدينة نابضة بهوية متجذرة تمثل ذاكرة المغرب الروحية والعلمية.لكن هذه الخصوصية الثقافية لم تتحول بعد إلى رافعة اقتصادية بالشكل المطلوب رغم وجود مؤشرات وإرادات للتغيير.
إن رهان تنظيم تظاهرات رياضية كبرى وما يصاحبه من تدفق بشري وإعلامي يشكل لحظة حاسمة لطرح سؤال جوهري:
كيف يمكن للمدن التاريخية أن تتحول إلى فضاءات جاذبة للاستثمار دون أن تفقد هويتها الثقافية؟
الثقافة كمحرم للتنمية
يراهن عدد من الفاعلين على الثقافة بوصفها عنصرا استراتيجيا في بناء اقتصاد محلي مستدام،خاصة في المدن التي تتوفر على رصيد تراثي غني.في هذا الإطا تبرز أهمية “الاقتصاد الثقافي” أي استثمار الموارد الثقافية من فنون -موسيقى -مهرجانات ومعالم تاريخية في خلق مناصب شغل وتنشيط السياحة وتوليد دينامية اقتصادية محلية.
فالمهرجانات الثقافية،مثل مهرجان الموسيقى الروحية بفاس تمثل أكثر من مجرد حدث فني. إنها منصة للترويج الحضاري والتواصل الدولي والتسويق الترابي،ما يجعل منها أداة ناعمة لخدمة أهداف تنموية واقتصادية.
التحديات البنيوية والذهنية
رغم المؤهلات، تواجه مدينة فاس تحديات حقيقية على مستوى البنية التحتية جودة الخدمات وإشراك الساكنة المحلية.لا يكفي ترميم جدران المدينة القديمة،بل يجب كذلك ترميم علاقة المواطنين بثقافتهم وإعادة الاعتبار للمهارات التقليدية والحرف اليدوية وتوفير فضاءات للشباب للإبداع والمشاركة.
من جهة أخرى،فإن التحدي الأكبر ليس ماليا فقط بل أيضا ذهنيا: إذ تحتاج المدينة إلى تحول في النظرة المجتمعية تجاه الثقافة من كونها ترفا إلى اعتبارها استثمارا واعدا.
شراكات متعددة الأطراف
يتطلب إنجاح هذا التحول شراكات متكاملة بين الدولة-الجماعات المحلية-القطاع الخاص والمجتمع المدني،بل وحتى المواطن العادي. فتأهيل مدينة تاريخية مثل فاس ليس مشروعا تقنيا فحسب بل مشروع ثقافي شامل يتطلب انخراط الجميع عبر رؤية جماعية تربط بين التراث والحداثة بين التاريخ والمستقبل.
من ذاكرة إلى مستقبل
الفرص المتاحة أمام فاس اليوم غير مسبوقة. فاحتضان فعاليات رياضية عالمية يعني لحظة انفتاح المدينة على العالم.غير أن هذه اللحظة لا يمكن أن تستثمر دون وجود عرض ثقافي حقيقي ووعي جماعي بأهمية التحول الذكي للمدن التاريخية.
فهل تكون فاس نموذجا ناجحا لمدينة تاريخية استطاعت أن توائم بين مجدها الماضي وتطلعاتها المستقبلية؟
السنوات القادمة ستحمل الجواب لكن ما هو أكيد أن الاقتصاد الثقافي أصبح أحد المداخل الأساسية لصناعة مدن مستدامة،وهو ما تحتاجه فاس اليوم قبل الغد.



