المغرب… قراءة شخصية في توازن الأصالة والحداثة

فلسطين-سجى عبد المجيد شبانة
أرى أن المغرب اليوم يمثل حالة خاصة في المنطقة العربية والإفريقية، ليس فقط لأنه بلد عريق وضارب في التاريخ، بل لأنه استطاع أن يبني لنفسه مسارًا يجمع بين الأصالة والحداثة، بين الهوية المتعددة والانفتاح على العالم.
موقع استثنائي يفرض أدوارًا
من وجهة نظري، الجغرافيا ليست قدرًا فحسب، بل فرصة. المغرب، بموقعه عند ملتقى المتوسط والأطلسي، لم يكن يومًا هامشيًا. إنه جسر طبيعي بين إفريقيا وأوروبا، وهذا الموقع الاستثنائي جعله لاعبًا إقليميًا في ملفات الطاقة والهجرة والأمن. في زمن يسوده الاضطراب، أصبح المغرب شريكًا لا يمكن تجاوزه.
الهوية كرافعة وليست عبئًا
أعتقد أن ما يميز المغرب حقًا هو قدرته على تحويل التعدد إلى مصدر قوة. أمازيغي، عربي، إسلامي، أندلسي… كل هذه المكونات تعايشت لتشكل هوية غنية لا مثيل لها. مدن مثل فاس ومراكش وطنجة لا تعكس فقط تراثًا حضاريًا، بل تروي قصة أمة وجدت في التنوع سر استمرارها.
الدبلوماسية الهادئة
المغرب لا يرفع صوته بقدر ما يمد يده. وساطاته في الملف الليبي، حضوره في إفريقيا جنوب الصحراء، وعلاقاته المتوازنة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كلها مؤشرات على دبلوماسية هادئة تراهن على بناء الثقة بدلًا من الدخول في صدامات خاسرة.
الاقتصاد بين الطموح والواقع
الأرقام هنا تحمل دلالات واضحة: الناتج المحلي الإجمالي للمغرب بلغ حوالي 144.4 مليار دولار (2023)، والنمو المتوقع لعام 2025 يقترب من 4.4%. أما في مجال الطاقة المتجددة، فقد بلغ إنتاج الكهرباء من المصادر النظيفة حوالي 4.37 جيجاوات أي ما يقارب 45% من المزيج الكهربائي، مع هدف للوصول إلى 52% بحلول 2030. هذه ليست مجرد أرقام، بل إشارات إلى طموح استراتيجي يسعى لجعل المغرب قوة طاقية إقليمية.
البعد الديمغرافي والاجتماعي
يبلغ عدد سكان المغرب اليوم حوالي 38.4 مليون نسمة، يعيش نحو 67% منهم في المدن، فيما يبلغ متوسط العمر 29.8 سنة. برأيي، هذه التركيبة السكانية تعكس فرصة ذهبية؛ قاعدة شبابية يمكن أن تكون رافعة للتنمية إذا تم الاستثمار فيها جيدًا، لكنها قد تتحول إلى عبء إذا لم تُترجم إلى فرص عمل وتعليم حديث.
التحديات التي لا تغيب
رغم ما سبق، لا يمكن إغفال التحديات. فمعدلات البطالة بين الشباب، والفجوة في التعليم، وتفاوت التنمية بين المدن والمناطق، كلها ملفات ضاغطة. أما خارجيًا، فإن ملف الصحراء الغربية يبقى القضية الأكثر حساسية، ويشكل محورًا ثابتًا في السياسة المغربية.
رأيي في التجربة المغربية
أرى أن المغرب نجح في شيء صعب: إدارة التناقضات. أن يكون بلدًا تقليديًا وحداثيًا في آن، أن يحافظ على جذوره وفي الوقت نفسه ينفتح على العالم. في رأيي، هذا التوازن هو سر قوته ومفتاح فهم مكانته اليوم.
خاتمة
المغرب ليس مجرد دولة تسعى للنمو، بل هو تجربة حضارية متجددة. تجربة تقول للعالم: يمكنك أن تكون متنوعًا دون أن تفقد وحدتك، وأن تنفتح دون أن تتخلى عن أصالتك. وهذه الرسالة، في زمن تتنازع فيه الهويات والانقسامات، ربما تكون أهم ما يقدمه المغرب كنموذج.



