خواطر : عبدالسلام الزروالي

يبدو أن البشرية لم تعد بحاجة إلى الشيطان. فقد أتقنت أدواره ببراعة تفوق تصوره. الكذب أصبح مهارة تُدرّس، والخيانة تُبرَّر كاختيار شخصي، والجشع يُسوَّق كطموح مشروع.
كل هذه الانحرافات تُغلف بأقنعة براقة تخدع العقول، حتى بات الشيطان نفسه يشعر بالراحة، مستغنيًا عن وظيفته التاريخية في الإغواء.
البشرية اليوم تُبدع في خلق الشرور، تُطور أدوات الفساد، وتُبرر المظالم بأساليب لا تخطر على بال الشيطان. فالتلاعب بالمشاعر يُعتبر دهاءً، والتحايل على القيم يُنظر إليه كذكاء اجتماعي.
أصبحنا في سباق محموم لنثبت أننا لسنا بحاجة لمن يُضللنا، نفعلها بأنفسنا وباحترافية.
ورغم كل هذا، يُصر البعض على تسميته تقدمًا، لكن الحقيقة أنه يعد سقوطًا حرًّا في هاوية لا قاع لها.
البشر باتوا يُتقنون فن إيذاء بعضهم البعض، لدرجة تجعل حتى الشيطان يقف مشدوهًا.
فأي تقدم هذا الذي يُقاس بمقدار التخلي عن القيم؟
وأي حضارة تلك التي تُبنى على حساب إنسانيتنا؟
يبدو أننا لم نكتفِ بعد من هذا العبث الذي سميناه حرية، ولم ندرك أننا نُبدع فقط في هدم أنفسنا.
ربنا، لا نرى شيئًا من هذه الدنيا يدوم، ولا حالًا يستقيم، فاجعلنا ننطق فيها بعلم، ونصمت فيها بحِلم، واحفظنا من شتات الأمر…



