مغاربة العالم وصناديق الاقتراع المؤجلة: أي مستقبل للمشاركة السياسية؟

*بقلم: زهير أصدور
رغم مرور أكثر من عقد على المصادقة على دستور 2011، ما تزال مشاركة الجالية المغربية في الانتخابات الوطنية حبيسة النصوص غير المفعّلة، تتقاذفها الأعذار التقنية والتأجيلات السياسية، بينما تستمر النخب في التغني بـ”الارتباط الوثيق” للجالية بالوطن الأم، دون أن تترجم ذلك إلى تمكين فعلي من الحق في التمثيلية والمشاركة في صنع القرار.
إن الحديث عن مشاركة مغاربة العالم في الانتخابات ليس ترفًا ديمقراطيًا، بل هو استحقاق دستوري واجب النفاذ، كما ينص على ذلك الفصلان 16 و17 من دستور المملكة، وهو أيضًا رهان استراتيجي لإعادة الثقة، وتجديد النخب، وتعزيز التماسك الوطني في ظل عالم متغير.
لا يُختلف اليوم على أن الدستور المغربي كان متقدمًا في الاعتراف بحقوق الجالية، إذ أقرّ بحق التصويت والترشح وضمان المشاركة في الحياة الوطنية.
لكن المفارقة الكبرى أن هذا الاعتراف لم يقترن بتشريع تنظيمي يترجم هذه المبادئ إلى آليات قانونية وإجرائية، الأمر الذي حوّل الحق إلى وعد مؤجل، والتمثيلية إلى سردية احتفالية تُستدعى فقط في المناسبات.تتذرّع الحكومات المتعاقبة بمشاكل لوجستية، كصعوبة تنظيم مكاتب التصويت في بلدان الإقامة، أو صعوبة ضبط لوائح الجالية، أو حتى غياب الثقة في آليات التصويت الإلكتروني. لكن هذه الذرائع تبدو ضعيفة في ضوء تجارب دول أخرى نجحت، رغم ضعف إمكانياتها، في ضمان تصويت مواطنيها بالخارج (مثل تونس والسنغال ).
ما يغيب في هذا النقاش هو العامل السياسي: هل هناك إرادة حقيقية لإشراك الجالية؟ وهل تسمح التوازنات الحزبية والسلطوية القائمة بإعادة تشكيل الخريطة السياسية عبر بوابة الخارج؟ أسئلة تستحق جرأة في الطرح قبل البحث عن حلول تقنية.
تعيش نسبة كبيرة من مغاربة الخارج في بيئات ديمقراطية تُقدس الحق في المشاركة، وتربي الأفراد على الانخراط في القرار السياسي. هذه التجربة تؤهلهم لأن يكونوا قوة اقتراح، لا فقط جمهورًا انتخابيًا. لكنهم، في المقابل، يُعاملون في بلدهم الأصلي كمجرد “مغتربين اقتصاديين”، مطلوب منهم التحويلات المالية، لا الآراء السياسية.هذا التناقض يُغذّي الإحباط ويضعف الثقة في المؤسسات، وقد يُفرز مستقبلاً ردود فعل أكثر حدّة، خصوصًا من الجيل الثاني والثالث، الذين يتفاعلون مع قضايا الوطن، لكنهم لا يشعرون أنهم جزء من قراراته.
لتفعيل المشاركة السياسية للجالية، لا بد من تصور متكامل يتجاوز البعد التقني، ويتأسس على المبادئ التالية:
1.إصدار قانون تنظيمي يُفعّل الفصل 17 من الدستور، ويحدد شروط الترشح والتصويت من الخارج.
2.إحداث دوائر انتخابية للجالية على غرار ما هو معمول به في فرنسا وتونس، لضمان تمثيلية واقعية ومباشرة.
3.تحديث آليات التسجيل والتصويت، سواء عبر المكاتب القنصلية، أو عبر التصويت الإلكتروني وفق معايير أمان عالية.
4.إشراك الجالية في الحياة الحزبية، من خلال تأسيس فروع رسمية للأحزاب بالخارج، وتحديد نسبة من اللوائح الوطنية مخصصة للكفاءات المقيمة خارج الوطن.
إن مغاربة العالم، الذين ساهموا في بناء الوطن اقتصاديًا وثقافيًا، يستحقون أن يُعاملوا كمواطنين كاملين لا كـ”احتياط سياسي”، ولا كصندوق بريد للتحويلات. فالديمقراطية الحقة لا تُجزَّأ، والمواطنة لا تُختصر في بطاقة وطنية، بل تُقاس بمدى القدرة على التأثير والمشاركة.
كل تأجيل إضافي في تفعيل هذا الحق هو تراجع عن روح دستور 2011، وهو أيضًا خطر على التماسك الوطني والثقة في المشروع الديمقراطي المغربي.فمن حق الجالية أن تسأل: متى نكون مواطنين لا فقط مغتربين.
* رئيس مؤسسة عيون لحقوق الإنسان



