Hot eventsأخبارأخبار سريعةتقارير وملفاتعين العقل

فجيج المباركة… أرض العزة والشموخ

بقلم: مولاي الحسن بنسيدي علي

في عمق الجنوب الشرقي المغربي، حيث تتلاقى الشمس مع الرمل في رقصة الضوء، وحيث تمتدّ ظلال النخيل لتحرس ذاكرة المكان، هناك تتربّع فجيج، المدينة الواحة، والقصيدة المعلقة على جدران التاريخ.

ليست فجيج مجرد بلدة نائية، بل هي ضمير الصحراء النابض، ومرآة الأصالة التي لم تعكرها الحداثة الباردة. أرض النخيل والعطاء، وسرّ من أسرار المغرب القديم، مدينة حافظت على نبضها في صمت، وبقيت شامخة كشجرة نخيل لم تنحنِ لريح.

تزخر فجيج بقصورها السبعة، كلّ قصر منها لوحة معمارية متقنة، تحكي قصة الإنسان وهو ينسج حضارته بين الجدران الطينية والنخيل الباسق:
قصر لوداغير، لعبيدات، قصر لمعيز، قصر ايت سليمان ، قصر حمام الفوقاني، قصر حمام التحتاني، وقصر زناقٓة.
في كل قصر حكاية، وفي كل زقاق ذاكرة، وفي كل باب ترحاب لا يغلق.

وتغني الواحات جمالها عين “تزادرت” تسقي الحياة، وتنساب كأنها ترتّل أناشيد الأرض في صلاة الفجر، فلا تنقطع، ولا تبخل، كرمًا مثل أهلها.

أما النخيل، فهو سيّد الأرض وسندها. تثمر فجيج أكثر من صنفً من التمر، من أشهرها “على سبيل المثال”:

ازيزا، العصيان، بوفقوس، تدمامت، الكاملة، الشبيه، تغراسين، بوفقوس غراس…
تمرها لذيذ المذاق، صافي الماء، ناعم الملمس، يُقال عنه: “من لم يذق عذق تمر فجيج، لم يعرف طعم الشمس”. “كما ذكرته المراجع”

ومن كرم الأرض ينبع كرم الإنسان. أهل فجيج مدرسة في المروءة والضيافة، تُفتح البيوت قبل الأيادي، وتُقدّم الموائد قبل السؤال.
في أفراحهم تعلو أنغام واهازيج امازيغية، ويعلو زغاريد النساء، وتصدح الحناجر معلنة الفرح النابع من القلب.

هم أهل عادات راسخة: التويزة في التعاون، الوزيعة في القِرى، السقاية في قسمة الماء بعدل وحكمة. وحين يأتِي العيد، تتزيّن النساء بـ”الملحفة الفجيجية”، ويخرج الرجال بـ”الجلباب الصحراوي” ” وبالهدون المعروف بالسهام المصنوع من الوبر” في زهو لا يعرف التصنّع.

ولأنّ العزّة في الأصل، فقد جرى على ألسنة الناس مثلٌ لا يزال يُتداول حتى اليوم:
“عايش فوق فجيج”،
تعبير عن الكرامة والاكتفاء، عن رفعة المقام واستقلال القرار. وليس أبلغ من هذا المثل في تلخيص مكانة فجيج بين مدن المغرب.

وقد أثبتت هذه المدينة صدق هذا المعنى في “عام البُون” سنة 1944، وهي السنة التي عصفت فيها المجاعة بالمغرب، فُرِض فيها التقنين، ووُزعت بطاقات التموين – المسماة “البُون” – على الناس للحصول على أدنى مقومات العيش.

في تلك السنة العصيبة، هجرت الأسر مدنها وقراها باحثة عن القوت، وانهارت موارد كثيرة، لكن فجيج ظلّت واقفة بشموخها. لم يغادرها أهلها، ولم تئنّ تحت وطأة الحاجة، لأنها عاشت على اكتفائها الذاتي، تزرع وتحصد، وتعطي من حولها دون منٍّ أو ضيق، حتى إنها زودت المناطق المجاورة بالمؤونة، فكانت منبعًا للخير في زمن القحط، وملاذًا لمن ضاقت بهم الأرض.

فجيج، مدينة إذا زُرتها لا تجوع، وإذا غادرتها تبقى فيك، تسكنك بسكينتها، بنخلها، بحكاياتها التي تُروى على ضوء القمر، وبرجالها المناضلين الذين يشبهون جدائل نخيلها: لا ينحنون.

فجيج، لستِ فقط مدينة، بل وصية الآباء للأبناء، وأغنية الأجداد التي لا تموت ومنها تنحدر امي التي زرعت في حب هذه الأرض وأهلها ومنها صديقي الشاعر قادي نور الدين بن احمد بن لحبيب سليل المقاومين وكثير من المعارف .

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button