
بقلم: السراج الضو -صحافي وكاتب
الحقيقة التي يعرفها العديد من الخصوم والأعداء في المغرب وخارجه، وكذلك الأصدقاء الأوفياء لهذا الوطن، أن هناك مراحل فاصلة في مسار الصحراء المغربية منذ استعادتها ميزتها التضحيات الجسيمة التي بدلها الشعب المغربي، للحفاظ على وحدته الترابية. سقط مئات الضحايا من الضباط والجنود وعشرات الملايير من العملات الصعبة صرفت للدفاع عن الصحراء وتنميتها، مع عزيمة قوية عند كل المغاربة لبدل مزيد من التضحيات..
المراحل الأخيرة في هذه العشرية، بدأت بموقعة الگرگرات في نونبر 2020 قطع الجيش الملكي فيها شريان الإرهاب ومنع قطاع الطرق من عصابات الجزائر التوغل وصولا إلى مياه وأسماك الأطلسي،
الموقعة الكبري الثانية لم تتأخر كثيرا ولم تكن الرمال ساحتها بل امتداداً لها داخل القصر الملكي وفي ظلال شجرة ملوك الأسرة العلوية، شهد المغرب في دجنبر من السنة نفسها توقيع الإتفاق الثلاثي المغربي الأمريكي الإسرائيلي، بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء.
تحرير الگرگرات لم يأت من فراغ فقد تم طرد عصابات الجزائر بسرعة من المعبر، و لم تسقط نقطة دم واحدة، لأن مستوى تدخل وجاهزية واحترافية القوات المسلحة الملكية في الميدان يعرفه الأصدقاء قبل الأعداء، بفضل احتكاكها وتطورها وانخراطها في تداريب ميدانية متواصلة، منذ انطلاق مناورات الأسد الإفريقي بشراكة مع جيوش أمريكا في 2004، بعد سنتين فقط من أزمة جزيرة ليلى مع اسبانيا الاستعمارية، وبعد سنة واحدة بعد احتلال العراق، هذا تذكير لمن يرغب في ربط قرارات المغرب السياسية والعسكرية بكل ما يقع في إفريقيا و الشرق الأوسط.
الاستراتيجية العامة للدولة والواقعية السياسية فرضت على المغرب استغلال الفرص المتاحة للخروج من نفق استغلال وحتنا الترابية من جانب العدو الجزائري وحلفاءه، وخلق مواجهات قوية مع دول صديقة في أروبا حتى تخرج من المنطقة الرمادية، قوامها أن المغرب ينظر للصديق من منظار وحيد هو الموقف الواضح من الصحراء المغربية. الگرگرات والإتفاق الثلاثي ومنظار الصحراء سلسلة مترابطة نجحت في خلق دينامية متسارعة، نحو الحل النهائي لقضية الصحراء المغربية في المحفل الأممي.
علاقة المغرب مع إسرائيل وهي اليوم محصورة في مكتب اتصال خلقت لتبقى ،مع احتفاظ المغرب بعلاقته مع الفلسطينيين في غزة والقطاع وفي القدس التي يترأس اللجنة المكلفة بها في منظمة المؤتمر الإسلامي، وهو البلد الوحيد الذي يقوم بتمويل مشروعات صندوق القدس، ولا يمكن أن نضع علاقاته مع إسرائيل في كفة موازية مع علاقاته الفلسطينية، لأن القضية الفلسطينية هي قضية المغاربة أجمعين ومنذ عقود، وعلى هذا الأساس يدعم المغرب، إنشاء دولتين اسرائيلية وفلسطينية..
هذا هو اختيار المغرب وهو مبني على التوازن والمبادئ والمصالح، وطبعا فإن كل اختيار في هذا العالم الذي يتغير باستمرار له مزايا وإكراهات، قد يكونا غير متعادلين أحيانا، و لحسن الحظ إن من يتخذ القرار المناسب في هذه البلاد يضع مصلحة المغرب أولا دون إضرار ولا متاجرة بقضايا الأمة، لأن بلادنا تجر وراءها إرث قرون من التعامل السياسي والحضاري مع الأمم شرقها وغربها، وستستمر في النهج نفسه لصالح الأجيال المقبلة، و لا يمكن أن تنجر إلى مصالح فئوية أو مصالح سياسوية مهمتها المزايدات الانتخابية أو المزايدات المدعومة من جهات خارجية..



