Hot eventsأخبارالرئيسيةفي الصميم

الرئيس تبون في محاكمة افتراضية..التجاوب مع المبادرة الملكية هلاك لي ولجماعتي الحاكمة

باريس ـ أحمد الميداوي

أجد من المفيد والممتع في آن واحد، إحاطة القراء بوقائع المحاكمة الافتراضية التي جرت قبل يومين، للرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في قاعة خالية إلا من المتهم والقاضي ومستشارين له:

ـ الاسم: الجمهورية الجزائرية الشعبية الديمقراطية

ـ تاريخ الميلاد: 1962

ـ الأب: الجنرال دوغول هو من أنشأني وأسماني الجزائر.

ـ الأم: مجهولة الاسم والنسب، وقد أكون كرغولية، وهو الاسم المتوارث بين بعض الأسر الجزائرية منذ العهد العثماني، نتيجة اختلاط أفراد الجيش التركي بنساء الجزائر.

ـ الهوية: هويتان محفورتان في جبيني لمئات السنين، وأنا راقد سجين في أحضان الأتراك، ثم فرنسا.

ـ التهمة: دولة منبوذة من بين الأكثر الدول قمعية في العالم. 

ـ السبب: تمسك العسكر بالسلطة منذ 1962 عبر ممارسات دموية ممنهجة.

شرع القاضي في استفسار المتهم الذي بدا منهكا بثقل السنين، بعد أن وهن العظم منه، ودخل في العمر الثمانين حولا.

ـ ما رأي فخامة الرئيس في هذه اللوحة المرسومة عن بلدك؟

لا أتفق مع الكثير من النقط الواردة فيها، وبالخصوص تصنيف بلدي من بين الدول المنبوذة الأكثر قمعية في العالم.

ـ ولماذا؟

 ـ قد يكون ذلك في العهد البائد، وليس في فترة حكمي المتميزة بالانفتاح واحترام الحريات العامة.

ـ التهمة صدرت سيدي الرئيس في التقرير السنوي الأمريكي حول أوضاع حقوق الإنسان في الجزائر لعام 2024، ولا علاقة لها بالعهد البائد.

ـ هم إذن مخطئون في التصنيف، أو ربما نسخوا ما جرى في العهد البائد على جزائر اليوم. ولعلمك أنني كنت قد وجهت قبل سنتين، خطابا رسميا للشعب الجزائري أعاهده فيه بالقطيعة التامة مع العهد البائد، المتميز بقمع الحريات وما إلى ذلك..    

ـ لقد كنتَ فخامة الرئيس جزءا من العهد البائد، بل واحدا من مهندسيه ومن…

ـ (مقاطعا) لا، أبدا، يتهيأ لك فقط، وإلا هاتِ برهانك إن كنت صادقا

ـ برهاني أنك شغلت في العهد البائد، منذ 1973 إلى أن توليت الرئاسة عام 2019 (زهاء نصف قرن)، أعلى الوظائف السياسية والبرلمانية والوزارية، منها والي لأربع ولايات كبرى، ثم وزيرا للجماعات المحلية، فوزيرا للسكن والعمران ثم وزيرا للاتصال، فوزيرا مرة ثانية للجماعات المحلية، لتخلد بعد ذلك في وزارة السكن والعمران ثماني سنوات قبل أن تُعيّن رئيسا للحكومة سنة 2017. أليس في كل هذا ما يدل على أنك كنت من صناع العهد البائد؟

ـ في كل هذا كنت مُنفذا السيد القاضي فقط، ولم أكن لا صانعا ولا مهندسا، كما جاء على لسانك.

ـ كنت مُنفذا فقط حتى وأنت رئيسا للحكومة؟ ولم يكن لك أي شأن بالاعتقالات والمتابعات وتقييد الحريات؟ ما علينا. فالتقرير يرسم صورة سوداء عن الانتهاكات ببلدكم وفي عُهدَتكم، بما فيها من اختفاء قسري وتعذيب، واعتقالات تعسفية، آخرها اعتقال الكاتب الفرنسي من أصول جزائرية، بوعلام صنصال، بتهمة المساس بالوحدة الترابية للجزائر.

ـ الكاتب صنصال أدلى بتصريحات تمس بالمصلحة الوطنية والسيادة الجزائرية، وهي تُهم يعتبرها القانون الجزائري عملا إرهابيا يكلف صاحبها السجن المؤبد.

ـ وما قولكم في جارتكم المغرب التي أدلى أحد ناشطيها السياسيين بتصريحات علنية، تشكك في الوحدة الترابية المغربية، من دون أن يتعرض لأية مضايقة تذكر؟

ـ سمعت بذلك وأعتبره على حق.

ـ وبوعلام صلصال على باطل (ههههه). وما رأيك سيادة الرئيس فيما أشار إليه التقرير من انتهاكات جسيمة ضد نشطاء أمازيغ؟

ـ أنا أمازيغي، وتؤرقني كثيرا الحركة الاستقلالية القبايلية الساعية إلى خلق كيان داخل الدولة الجزائرية.

ـ ألست من المدافعين في كل الملتقيات والمؤتمرات الإقليمية والدولية، عن حق الشعوب في تقرير مصيرها؟

ـ نعم وسأظل كذلك.

ـ ولماذا تحْرِمون ثمانية ملايين قبايلي من الحق في تقرير مصيرهم، وتدافعون عن هذا الحق لبضعة آلاف من المواطنين المغاربة، يعيشون مرغمين وفي ظروف مزرية، في معسكرات تندوف؟
ـ إيماني بحق تقرير مصير الشعوب لا يتزعزع.

ـ أليس الغبن التاريخي كونكم لم تصبحوا دولة بالمعنى القانوني للكلمة إلا عام 1962، فيما المغرب أسس منذ عشرة قرون فضاء جيوسياسيا متناغما تلعب فيه الملكية دور الحامي للتماسك الوطني، هو دافعكم الأساسي لمحاولة اجتثاثه من جذوره الإفريقية؟ وهل يصدق عاقل أن يكون إيواء البوليساريو وتسليحه، وتمويله، كل ذلك من أجل وهْم الدفاع عن قضايا الشعوب؟

ـ تمويل البوليساريو وتسليحه، هو أسطوانة مغربية مشروخة لم تعد صالحة للاستعمال.

ـ مثل أسطوانة “الجزائر لا دخل لها في قضية الصحراء”، الناطقة بكذبة استحمارية أثبتت ضعفها في التحجج والإقناع. أليس كذلك؟

ـ لا شأن لنا بقضية الصحراء، أقولها للمرة المائة، حتى وإن كنت على يقين من أنكم ستعتبرون كلامي كذبة سخيفة، كوني على حد زعمكم، جعلت من الصحراء قضيتي الوطنية الأولى قبل البطالة، وتحسين القدرة الشرائية، وتأمين الغذاء للشعب الجزائري..

ـ هو كذلك سيادة الرئيس. وماذا عن مبادرة اليد الممدودة التي أصبحت ثابتا بنيويا في النهج السياسي للملك محمد السادس، لترسيخ ثوابت المشترك التاريخي ومنطلقات المستقبل؟

ـ سأجيبك بصدق وتجرّد، كما وعدتك سيدي القاضي. هناك عوامل تجعل التجاوب مع المبادرة الملكية بمثابة هلاك سياسي لي ولجماعتي الحاكمة. وأهم هذه العوامل أن بناء الصرح المغاربي يحكمه الأفق الاقتصادي، قبل قواسم اللغة والدين والمصير المشترك. ومن هنا فإنه أيا كان الشخص في موضعي، فلن يقبل بهكذا اتحاد يستفيد منه المغرب الذي ينهج اقتصادا حُرّا يقوم على المبادرة الخاصة، ولا يملك موارد أخرى غيرها لخلق الثروة. أما الجزائر التي تعتمد بنسبة 90% على صادرات النفط والغاز، فلا حاجة لها باتحاد يعود بالنفع الاقتصادي والاجتماعي على المغرب بالدرجة الأولى ومن بعده تونس.

ـ هل تقصد بكلامك أن الجزائر بلد غني تقطنه ساكنة فقيرة، مع تدبير كارثي للشأن الاجتماعي؟

ـ لا تقولني ما لم أقل.

ـ مصادر سياسية وإعلامية عديدة، تقول بقرب إقدام الولايات المتحدة على تصنيف البوليساريو، منظمة إرهابية..

ـ (الرئيس تبون مقاطعا) كيفاش؟.. وعلاش؟

ـ قد يكون القرار الأمريكي خطوة أساسية لحماية منطقة المغرب العربي، ودول الساحل من الأنشطة الإرهابية التي تقوم بها جبهة البوليساريو بإيعاز من الجزائر، وحتى إيران. 

ـ كلام باطل. وباعتقادي، فإن الإقدام على مثل هذه الخطوة، سيكون بمثابة إقبار نهائي لقضية الصحراء، وموت سريري لحركة تسعى إلى تقرير مصيرها والتحكم في مستقبلها.

ـ هو أكثر من ذلك سيادة الرئيس. هو موت دماغي، وسكتة قلبية لها، وربما حتى لمن يحضُنها. رُفعت الجلسة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button