قصص و شخصيات

اتركوا الهند وأنتم أسياد

 هكذا خاطب” المهاتما ” التاج البريطاني ، الزعيم الهندي موهندس كرمشاند غاندي، الملقب بـ”المهاتما،” الأب الروحي للمسيرة السلمية بالهند، واحد من رجالات النضال ضد الاستعمار في القرن العشرين، إنه الناسك الذي قاد المقاومة وقاد استقلال الهند عن التاج البريطاني. عاش زاهدا من اجل الهند الأم، عاش من أجل القضية الأولى، ومات مغدورا، تعرض لست محاولات اغتيال، لكن السادسة كانت من ابن جلدته، متطرف هندوسي، بضع رصاصات ألقته جثة هامدة بعد عمر طويل وهبه للصراع ضد البريطانيين، متهما إياه بالتسامح الكبير مع المسلمين.

المهاتما تعني الروح العظيمة، وهذا هو غاندي في نظر الهنود، روح الهند والأب والقائد، حتى صارت المهاتما كلمة مشهورة عالميا، لما لا؟ وهو من قاد ثورة سلمية من أجل الاستقلال، وهو صاحب المذهب اللاعنف لتحقيق السلام. كان محاميا وحكيما وسياسيا فذا، كان زعيم الحركة القومية ضد التواجد البريطاني في شبه الجزيرة الهندية، وصار رمزا للمقاومة الوطنية الهندية.

ولد المهاتما عام 1869 في الثاني من أكتوبر، لعائلة محافظة ذات تاريخ سياسي بمحافظة كوجارات، كان والدم كما جده من أعيان وقياديي المحافظة، تزوج وهو في سن الثالثة عشر حسب التقاليد الهندية. بعدها بست سنوات سيسافر لدراسة القانون بالعاصمة البريطانية لندن، ثم عاد سنة 1891 لبلاده، حاملا شهادة لمزاولة مهنة المحاماة.

كان صاحب مذهب “الساتياراها” أي المذهب السلمي للمقاومة، وهو المذهب الذي تأثر به الكثير من المناضلين فيما بعد، كالجنوب الإفريقي نيلسون مانديلا أو الثائر الأمريكي ضد الميز العنصري مارتن لوثر كينغ. هذا المذهب السياسي ارتكز في مجمله على أسس دينية، سياسية واقتصادية تقوم على المقاومة اللاعنيفة في مواجهة المستعمر، وهي مقاومة تتخذ عدة أساليب لتحقيق غاياتها كالصوم والاعتصام والمقاطعة والعصيان المدني، لكن يمكنها أن تتحول إلى مقاومة عنيفية، كما يقول غاندي، في حالة ما لم يتمتع العدو بضمير حي.

كانت سنة 1893، نقطة تحول كبير في مسار الشاب، حيث لم يتمكن من إيجاد عمل بالهند، مما دفعه للسفر إلى جنوب إفريقيا، للعمل في مكتب للمحاماة لسنة واحدة، لكنه مكث لمدة 22 سنة نظرا لظروف الجالية الهندية هناك، حيث الميز العنصري أوالأبارتايد.

صراعه من اجل حقوق العمال الهنديين بجنوب إفريقيا، أكسبه تجربة كبيرة وشهرة، فعاد للهند سنة 1915، ليقود ثورة العمال والمنبوذين، ركز على كفاح الظلم الاجتماعي والصراع ضد المستعمر المستبد. أصبح غاندي في ظرف وجيز قائدا وأبا للمقاومة الهندية، فبعد الحرب العالمية الأولى سيقود عصيانا مدنيا من أجل الاستقلال، أدى إلى صدام بين المحتجين والقوات البريطانية، مما دفعه إلى وقف الاحتجاج، وحكم عليه بست سنوات سجنا، وأفرج عنه سنة 1924.

عام 1930 سيقطع مسافة 400 كيلومتر في مسيرة الملح احتجاجا على فرض البريطانيين لضريبة على استخرجه، وفي سنة 1932 سيقود ثورة الصيام ضد قانون التمييز الانتخابي الذي يقضي بإقصاء المنبوذين من المجتمع الهندي، مما دفع المحتل للتوصل لاتفاقية “بونا” التي قضت بزيادة عدد النواب من المنبوذين، وبذلك تم إلغاء قانون التمييز الانتخابي. سنة1934 سينسحب من حزب المؤتمر ليتفرغ للمشاكل الاقتصادية في البادية الهندية حيث الفقر والتهميش، لكنه دعا مناضلي الحزب للمشاركة في انتخابات سنة 1937 لما يضمنه دستور سنة 1935 من ضمانات وحيادية.

سنة 1940 سيدخل في عصيان مدني لمدة سنة ضد قرار بريطانيا اعتبار الهند دولة محاربة لجيوش المحور دون أن تنال استقلالها. وفي تصاعد للخطر الياباني اضطر البريطانيون للمصالحة مع حركة غاندي، وهو ما سمي باسم بعثة كريبس سنة 1942، لكنها فشلت في ذلك، وفي سنة 1943 قبل المهاتما دخول الحرب ضد دول المحور على أمل الحصول على الاستقلال. وقال جملته الشهيرة مخاطبا التاج البريطاني: “اتركوا الهند وأنتم أسياد” الأمر الذي أزعج الإنجليز واعتبروها إهانة، فشنوا حملة اعتقالات واسعة كان من بينهم غاندي.

بعد خروجه من السجن سنة 1944، وانتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأت بوادر انقسام الهند إلى دولتين تلوح في الأفق، لكن غاندي عارض الفكرة بشدة فسارع لإقناع محمد علي جناح أحد دعاة الانفصال، لكنه فشل في إقناعه بالعدول عن فكرة الانفصال.

في منتصف غشت، وبالضبط في 16 غشت 1947، انفصلت باكستان عن الهند، وسادت اضطرابات دينية عنيفة معظم المناطق الهندية، فسقط حوالي خمسة ألاف قتيل في كالكوتا وحدها. اعتبر غاندي المأساة كارثة وطنية، وهو الرجل الذي عاش مدافعا عن السلم ونبذ العنف حتى ضد المستعمر، واليوم يرى الهند تغرق في دماء طائفية. ومما زاد من حزن المهاتما، دخول الهند وباكستان في صراع عنيف حول إقليم كاشمير بين سنتي 1947 و1948، حيث دعا إلى مصالحة وطنية ودعا بالخصوص الهندوس إلى احترام حقوق المسلمين.

الفكرة التي لم ترق كثيرا المتطرفين الهندوس، واعتبروها خيانة عظمى من القائد الملهم، فقرروا اغتياله، فكانت نهاية أسطورة ستظل خالدة في أذهان الهند الحديثة وفي أذهان العالم، في 30 يناير سنة 1948 أطلق عليه أحد المتطرفين الهندوس ثلاث رصاصات، أرسلت روح المهاتما للسماء، وأنهت مسيرة رجل استثنائي.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تفقد أيضا
Close
Back to top button