حين يصرخ الشارع… ويصمت المسؤول الحكومي

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي
في لحظة مفصلية يعيشها المغرب اليوم، ارتفعت الأصوات من مختلف المدن والقرى، شبانٌ وشاباتٌ من جيل “زيد”، خرجوا إلى الشوارع لا بدافع الفوضى، بل بدافع الأمل… الأمل في وطن يُصغي، في حكومة تفهم أن الإنصات للمواطن ليس تفضّلًا بل واجبًا دستوريا وأخلاقيا.
لقد بلغ الاحتقان الشعبي درجة غير مسبوقة، وبدأت وتيرة المطالبة باستقالة رئيس الحكومة تتصاعد يوما بعد يوم، وسط مشاهد احتجاجية سلمية تعبّر عن وعي الجيل الجديد بضرورة الإصلاح والمحاسبة. فحين يغيب الحوار، ويغدو التبرير لغة رسمية، يصبح الشارع هو المنبر الوحيد الذي يُسمِع صوت المواطن.
إن حكومة لم تُحسن قراءة رسائل الشباب، ولم تُدرك أن الوعود لا تُشبع الجائع، ولا تُداوي المريض، ولا تُعلّم الطفل، إنما تدفع الوطن إلى شفير أزمة ثقة عميقة وإلى انزلاقات يدفع الشعب ثمنها. فكم من فرصة ضاعت بين أروقة البيروقراطية والتبريرات العقيمة! وكم من نداء صادق من الشارع أُجهض بالصمت والتجاهل!
ولأن الدستور المغربي لسنة 2011 جاء بروح إصلاحية متقدمة، فقد أقرّ إمكانيات دستورية واضحة لتصحيح المسار حين يتعثر الأداء الحكومي. فالفصل 47 من الدستور يمنح لرئيس الحكومة حق الاستقالة بإرادته، كما يمنح لجلالة الملك، بصفته الضامن لسير المؤسسات، صلاحية إعفاء الحكومة أو أحد أعضائها، متى استدعت المصلحة العليا للأمة ذلك. كما يمكن، وفق الفصول ذات الصلة، حل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات جديدة تُعيد الشرعية الشعبية إلى مسارها الصحيح.
إن الوضع الراهن لا يحتمل المزيد من التردد. فالمواطن فقد الثقة في الخطابات، والشباب فقد الصبر على الانتظار. والبلاد بحاجة إلى جرأة القرار، لا إلى مزيد من الشعارات. ولذلك فإن استقالة رئيس الحكومة – سواء طواعية أو وفق الآليات الدستورية – باتت خطوة ضرورية لإعادة ترتيب البيت الداخلي، وبعث رسالة طمأنينة إلى الشارع بأن المؤسسات لا زالت قادرة على تصحيح أخطائها.
ووسط هذا المشهد، برز جيل “زيد” كصوت جديد في الساحة المغربية، جيل لا يؤمن بالفوضى، بل يطالب بالإصلاح والمحاسبة في إطار السلمية والمسؤولية. هو جيل متعلم، متصل بالعالم، يؤمن بالكرامة والعدالة الاجتماعية، ويعبّر عن نفسه بأدوات رقمية حديثة ووعي سياسي متقدم. هذا الجيل لا يطلب المستحيل، بل يطلب فقط أن يُستمع إليه، وأن يُشارك في صناعة القرار لا أن يُقصى منه.
ويبقى الأمل، كما عهد المغاربة، معقودًا على أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، الذي ما فتئ يُعبّر عن انحيازه الدائم للمواطنين، وعن حرصه الصادق على استقرار الوطن ووحدته. فهو الملاذ بعد الله، وهو الضامن لاستمرار الدولة في توازنها وعدلها ورحمتها.
حفظ الله المغرب من كل سوء، وأدام على هذه الأمة أمنها ووحدتها، وألهم مسؤوليها الرشد والحكمة، في ظل القيادة الرشيدة لمولانا أمير المؤمنين، حامي حمى الوطن والدين، جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.



