
بقلم: *زهير أصدور
إلى كل الزعماء السياسيين، وإلى كل من يتربع على رأس حزب أو نقابة أو مؤسسة، أقول لكم: اخجلوا من أنفسكم.
كفوا عن التنظير للديمقراطية وأنتم أول من يجهضها في المهد. كفوا عن الحديث عن التناوب والتداول، وأنتم تحرسون الكراسي كما تُحرس الممالك، وتُعدّون البقاء في المنصب “قدرًا” لا “مرحلة”.
الديمقراطية ليست شعارًا يُرفع في المؤتمرات، بل فعل تداولٍ وتناوبٍ وتنازلٍ عن السلطة.ثماني سنوات كافية لأي زعيم حزبي أو نقابي أو مؤسساتي ليقدم ما لديه. بعدها يصبح البقاء عبئًا لا فضلاً، واستمراره في الكرسي ليس استحقاقًا بل اغتصابًا للثقة التي وُضعت فيه.
أيها الزعماء، أنتم لستم آلهة السياسة، ولا أوصياء على أحزابكم. منكم من هو أضعف من كاتب فرع في الحزب، لكنه احترف لغة الخطابة وتقديس الذات حتى صدّق نفسه.
أنتم تتحدثون عن الشباب بينما تُغلقون أمامهم أبواب القيادة، وعن الإصلاح وأنتم من يصنع العطب بأيديكم.تنحّوا بشجاعة قبل أن تنحِّيكم الوقائع.عقدوا مؤتمراتكم بجرأة، وافتحوا الأبواب أمام الخلف، وأمام الكفاءات الشابة التي ما زالت تؤمن بأن السياسة يمكن أن تكون شرفًا لا وسيلة عيش.
لقد ملّ المغاربة مشهد الزعيم الأبدي الذي يَعِدُ كل دورة بغدٍ أفضل، وكأن الوطن لا يتحسن إلا بوجوده، ولا يتنفس إلا بإذن منه.
الحقيقة أن الغد لن يكون أفضل إلا بعد رحيلكم عن الكراسي.الغد الأفضل هو ذاك الذي يولد من التناوب، من تجديد النخب، ومن خجل الزعماء حين يدركون أن التمديد ليس انتصارًا، بل سقوطًا ناعمًا في هاوية النرجسية.
يا من تجاوزتم العقد في القيادة، كفاكم عبثًا بالقوانين الأساسية للأحزاب. كفاكم تطويعًا للنظام الداخلي ليخدم نزوات البقاء. إنكم بذلك تقتلون أحزابكم، وتغتالون ثقة الناس في السياسة، وتحولون المشهد الحزبي إلى مسرح بلا روح.لقد قالها جلالة الملك محمد السادس مرارًا، منذ ربع قرن: الأحزاب هي العمود الفقري للديمقراطية، والإصلاح يبدأ من داخلها.
ومع ذلك، أنتم ما زلتم تتناسون خطبه الموجهة إليكم، تكرّسون الرداءة، وتُعمّرون الكراسي بدل أن تُعمّروا المؤسسات.إنها نهاية الامتيازات، ونهاية الريع الحزبي.
من يريد خدمة الوطن، فالميدان مفتوح له. ومن يبحث عن تنمية موارده المالية، فليغادر السياسة إلى التجارة، لأن السياسة ليست دكانًا، بل التزام ومسؤولية.
التاريخ لا يرحم، والذاكرة لا تُمحى.إما أن ترحلوا باختياركم، أو سيرحلكم جيل جديد يحمل أسئلته، وحلمه، وإصراره على أن يُعيد إلى السياسة شرفها المفقود.ارحلوا بكرامة، واتركوا للوطن ما تبقّى من الأمل.
*فاعل حقوقي



