فرنسا تضع اتفاقية الهجرة مع الجزائر تحت مقصلة التصويت

في خطوة تعكس التوتر المتصاعد بين باريس والجزائر، يستعد البرلمان الفرنسي خلال الأيام المقبلة للتصويت على مشروع قانون يقضي بإلغاء اتفاقية الهجرة المبرمة بين البلدين منذ سنة 1968، وهي الاتفاقية التي شكلت لسنوات طويلة أساساً قانونياً ينظم وضعية مئات الآلاف من الجزائريين المقيمين في فرنسا.
ويأتي هذا التحرك بعد تقرير برلماني فرنسي حديث أعده النائبان شارل رودويل وماتيو لوفيفر، قدّر التكلفة المالية للاتفاقية بنحو ملياري يورو، معتبرًا أنها تفرض “عبئًا اجتماعيًا وإداريًا متزايدًا” على الدولة الفرنسية، في ظل غياب التزامات مقابلة من الطرف الجزائري.
ويقود هذه المبادرة النائب غيوم بيغو، المنتمي لحزب التجمع الوطني اليميني المتشدد، بدعم من رئيس حزب اتحاد اليمين من أجل الجمهورية، إريك سيوتي، الذي صرّح في مقابلة مع قناة “TF1” أن التصويت المنتظر “سيمنح الجميع فرصة لتحمل مسؤولياتهم في هذا الملف الذي طال الجدل حوله”.
وتعتبر الجزائر أن هذه الاتفاقية فقدت جوهرها منذ عقود، بسبب التعديلات الفرنسية المتلاحقة وفرض التأشيرة على الجزائريين منذ عام 1986، ما جعلها – وفق السلطات الجزائرية – “اتفاقية منتهية المفعول سياسيًا وعمليًا”.
ويبدو أن الخلافات بين البلدين تجاوزت الجانب القانوني لتأخذ طابعاً سياسياً حاداً، خاصة بعد رفض الجزائر استقبال عدد من مواطنيها المرحّلين من فرنسا، ورفضها إطلاق سراح الكاتب الفرنسي من أصل جزائري بوعلام صنصال رغم الدعوات الرسمية من باريس، إضافة إلى أزمة ترحيل المؤثرين الجزائريين التي زادت من حدة التوتر.
ويرى مراقبون أن خطوة إلغاء الاتفاقية تأتي في سياق تنافسي داخلي فرنسي، يستغله اليمين واليمين المتطرف لتغذية خطابهما الانتخابي، خصوصًا في ظل اقتراب الاستحقاقات القادمة، حيث يُستعمل ملف الهجرة كورقة سياسية رابحة.
وفي المقابل، تشير مصادر دبلوماسية إلى أن الجزائر قد تتخذ إجراءات مضادة في حال المصادقة على الإلغاء، من بينها مراجعة التعاون الأمني والاقتصادي مع فرنسا.
وتأتي هذه التطورات في وقت تعرف فيه العلاقات بين باريس والرباط تحسنًا ملحوظًا، بعد دعم فرنسا لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، وهو موقف أثار حفيظة الجزائر واعتبرته انحيازاً صريحاً للمغرب، ما عمّق القطيعة السياسية بين العاصمتين.
ويخشى المراقبون أن يؤدي أي تصعيد إضافي إلى أزمة دبلوماسية مفتوحة، خاصة وأن الجالية الجزائرية في فرنسا – التي تفوق 800 ألف شخص – قد تتأثر مباشرة بأي تعديل قانوني على أوضاع الإقامة والعمل ولمّ الشمل.
وبين تصعيد باريس وغضب الجزائر، يبقى مستقبل العلاقات الثنائية على المحك، في انتظار ما سيسفر عنه تصويت البرلمان الفرنسي نهاية الشهر الجاري.



