من المحاماة إلى الحكم… الكفاءة حق للجميع

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي
في زمن تتسارع فيه التحولات وتتعقد فيه المهام، يصبح الرهان على الكفاءة العلمية والوعي الحقوقي والتكوين المستمر أساسًا لا محيد عنه لأي مهنة تتصل بخدمة العدالة والمجتمع. ولعل مهنة المحاماة النبيلة، بما تحمله من رمزية الدفاع عن الحق وصون كرامة الإنسان، تحتاج اليوم إلى جيل من المحامين المؤهلين تكوينًا ومعرفة، يملكون أدوات القانون كما يملكون ناصية اللغات الأجنبية، على الأقل لغتين كما أكد وزير العدل، حتى يستطيعوا مواكبة المحافل الدولية وفهم التشريعات المقارنة ومواجهة تحديات العصر بعقل منفتح وفكر علمي رصين.
إن اشتراط شهادة عليا كدرجة الماستر، والخضوع لتكوين متخصص في مؤسسة معتمدة، مع حصر عدد المستفيدين في حدود معقولة لا تتجاوز 150 مرشحًا سنويًا، هو توجه محمود يكرس الجودة بدل الكم، ويؤسس لمهنة قوية، رصينة، وذات مصداقية في أعين المواطنين. فالمحامي المثقف المتنور هو سند العدالة ومرآة المجتمع المتحضر.
غير أن هذا التوجه، مهما كان محمودًا، يفتح باب التساؤل المشروع:
لماذا يظل معيار الكفاءة الأكاديمية محصورًا في مهن العدالة وحدها؟
ألا يجدر أن يمتد ليشمل جميع المناصب الحساسة في الدولة، من وزارات ومجالس وهيئات وأحزاب ودوواوين ومؤسسات عمومية، حيث تُتخذ القرارات ويُرسم مستقبل المواطنين؟
كم من مسؤول يتصدر المشهد العام اليوم، يوقع القرارات، ويصوغ القوانين، ويدير الشأن العام، دون أن يمتلك الحد الأدنى من التكوين الأكاديمي أو الثقافة الواسعة التي تؤهله لذلك حتى لغته الأصلية العربية والامازيغية لا يجيدها..! كثيرون منهم تجاوزوا سن العطاء، ومع ذلك ما زالوا يتشبثون بالكراسي، يغلقون الأبواب في وجه الطاقات الشابة، ويحولون دون تجديد النخبة الإدارية والسياسية التي تحتاجها البلاد.
إذا كان الارتقاء بمهنة المحاماة ضرورة وطنية، فإن تعميم مبدأ الكفاءة على جميع المهن الحساسة ضرورة وجودية. لا يمكن أن تتحقق العدالة في المحاكم دون أن تتحقق العدالة في توزيع المسؤوليات والفرص. فالعقل المتعلم هو القادر على الإصلاح، والسياسة بلا علم تفرز العشوائية، والقرار بلا كفاءة يولّد الأزمات.
إن بناء دولة حديثة لا يقوم على الشعارات، بل على تكافؤ الفرص، وتعميم ثقافة التكوين، وربط المناصب بالجدارة لا بالانتماء أو الولاء. عندها فقط يمكن أن نطمئن إلى أن العدالة تسير في مسارها الصحيح، وأن الوطن في أيدٍ تعرف معنى المسؤولية.



