عبد السلام العزوزي… صوتٌ هادئ وقلمٌ يضيء جهات الوطن

بقلم الأستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي
في المكاتب الضيقة لجريدة السلام، أو في المقهى الذي اتخذناه ملتقى للحوار، تعرّفتُ على رجل يختزل الحكمة في جملة، ويصنع الصدق من ابتسامة، ويحوّل النقاش البسيط إلى درسٍ كامل في المهنة والأخلاق.
كنت أعبّر عن آرائي بحماسة الشباب وجرأتهم، وقد أتجاوز في اندفاعي ما يقتضيه رزْن الحكماء، لكنه كان يكتفي بابتسامة قصيرة وعبارة مقتضبة، لا تزيد غالبًا عن:
“لا عليك يا صديقي…”
أو
“اقرأ… اكتب.” “دون”

كان قليل الكلام كثير الدلالة، يبثّ الطمأنينة دون أن يتكلم طويلًا، ويوجه دون أن يرفع صوته، ويعلّم دون أن يتظاهر بأنه معلّم.
قلبٌ للوطن… ونضالٌ للصحراء الشرقية
كان الوطن يسكنه…
وكانت الصحراء الشرقية قضيته الكبرى، التي ناضل من أجلها بالقلم والفكر والجهد والمال.
لم يكن يكتب عن القضية من باب الواجب الصحفي، بل من باب المسؤولية الوجدانية، مؤمنًا بأن الحقّ سيعود مهما طال الزمن.
في إحدى المرات، حين انفعَلتُ مدافعًا عن شابٍ هو أنا صرخ بانتمائه لإقليم مغتصب، وضع يده على كتفي وقال لي بهدوئه المألوف:
“اهدأ… فالحقّ لا يُنصر بالغضب، بل بالوعي.”
لم تكن مجرد كلمات؛ كانت دروسًا تُصنع لمدى العمر.
المعلم… لا الأستاذ
منه تعلّمت أن الصحافة موقف، وأن التواضع أعظم من أي لقب، وأن الإصرار على الحق طريق شاق، لكنه الطريق الذي يمشيه الكبار فقط.
كان مدرسة بلا جدران، وأستاذًا بلا سبورة، ومرشدًا لا يطلب من أحد أن يتبعه، لكنه يجد الجميع يقتفون أثره.
إنه المدير العام لجريدة الحدث الإفريقي
في الحدث الإفريقي، كانت لمساته التحريرية، ورؤيته المهنية، وقراءته الهادئة للأحداث، تصنع توازنًا نادرًا بين الحكمة والجرأة.
خصني بعمود اكتب فيه ما أراه من غير مقص واعطاه عنوان عين العقل.
امتلك العزوزي قدرة على تحويل القضايا الكبرى إلى نصوص منسابة، دقيقة، وممتلئة بقوة الحق.
كان يحترم المهنة، ويحترم الوطن، ويحترم القرّاء.
قد لا تفي الكلمات حقَّ الرجال الذين يشبهون الضوء…
أولئك الذين حضورهم هادئ، لكن أثرهم عميق.
وأشهد، من موقع الصداقة والتتلمذ على يديه، أن عبد السلام العزوزي لم يكن مجرد صحفي، بل كان ضميرًا مهنيًا، ورجلًا يرى في الوطن بيتًا لا يُهدم، وفي الحقيقة قيمة لا تُساوَم، وفي القلم أمانة لا يحملها إلا من يعرف وزنها.
وسيبقى اسمه، كما عرفته، منقوشًا في صفحات الذاكرة قبل صفحات الجرائد…
صوتًا هادئًا في زمن الصخب، ونبراسًا يذكّرنا بأن الصحافة ليست مهنة فقط…
بل رسالة.
وإليه ارفع قبعتي



