أخبارفي الصميم

الإعلامي ياسين عدنان..التضامن مع المهدوي احترام لمهنة الصحافة ولقيمة العدالة

أشعر اليوم بغير قليل من الرّضا إزاء التدوينة التي كنت قد نشرتُها على هذه الصفحة تضامُنًا مع الصحافي حميد المهداوي في يونيو الماضي. يومها كنت أتابع بتعاطف شديدٍ أطوارَ محاكمة ناشر موقع بديل، كما كنت أواظبُ على فيديوهات المهدوي التي نجح عبرها في تقريب المغاربة من تُهَم “السّبّ والشّتم والتّشهير” المُوجَّهة إليه؛ فقد بسطها أمامنا تهمةً تهمةً، حلّلها، وفكّك عناصرها، كشف عن خلفياتها، وكيّفها قانونيًّا بما يفضح طابَعها المُوجَّه، قبل أن يدحضها دحضًا.

توفّق المهدوي حينها في نقل أجواء محاكمته جلسةً تلو الأخرى، وكان يترافع عبر فيديوهاته بمُساجلات دقيقة، رصينة، ومتّزنة، نفذت إلى عقول المغاربة قبل قلوبهم، وجعلتهم يتعاطفون معه، وينظرون بريبةٍ واستياء إلى مَن حاصروه بتُهَمٍ مُتهافتة، مُصرّين على ملاحقته، في مسعى لخنق الصحافة الحرّة، وإصابتها في مقتل.

شعوري المتجدّد اليوم بالرّضا عن تدوينتي القديمة يعود إلى أنّ المهدوي ظلّ وفيًّا لنفسه ولم يخذلنا في امتحان الفيديو الجديد. فقد حصل على تسجيل الاجتماع الداخلي للجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية التابعة للجنة الوطنية المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، وهو الاجتماع الذي انعقد للاستماع إليه والتداول في قضيته.

تخيّلوا لو انتهى الأمر بالمهدوي – بعد أن فكّر وقدّر – إلى الامتناع عن نشر الفيديو. ألن تكون في هذا الامتناع نهايتُه الرمزية والأخلاقية؟

لو امتنع المهدوي عن نشر الفيديو لخاننا جميعًا. ولكان من العسير عليه حينها أن يدفع عن نفسه تهمة الخيانة.

كان سيخون أولًا ذاته وقضيته، ومن يخون ذاته لا يُؤتمَن على ناسه وبلده.

وكان سيخون مهنته وقرّاءه، ومهنة الصحافي هي النشر، فكيف نثق في صحافي يمتنع عن النشر؟

وكان سيخون القانون، لأنّ خرقَ سرِّية مداولات اللجنة جريمةٌ يعاقب عليها القانون، والفيديو الذي نشره فضح خرق السرية بالصوت والصورة، وثبّت وجود غرباء عن اللجنة في الاجتماع، كما أثبت مشاركة رئيس لجنة الطُّعون يونس مجاهد في مداولاتٍ يمنعه القانون من حضورها أصلًا.

وكان المهدوي سيخونُ بلده أيضًا، لأنّ عدم التبليغ عن جريمةٍ هو خيانةٌ للعدالة وللوطن معًا. ثمّ “اللّي عضّو الحنش، كيخاف من الحبل”، وقد سبق لناشر “بديل” أن سيق إلى السّجن النّافذ بتهمة “عدم التبليغ عن جريمة تمسُّ بأمن الدولة” بدعوى أنّه لم يخبر السلطات بمكالمة هاتفية تلقّاها من شخص مجهول يقيم بهولندا، كان يتحدّث عن إدخال دبابة روسية إلى المغرب. لم يظهر لهذا المتآمر المجهول أثر إلى يوم الناس هذا، لكنّ المحكمة تشدّدت مع المهدوي وجاء الحكم قاسيًّا. فمن يضمن له ألّا يكون التشدّد أشدّ هذه المرّة لو تقاعس عن التبليغ، والمتآمرون على الصحافة والعدالة والمؤسسات – في الفيديو المنشور – معلومون معروفون، وخروقاتهم للقانون مُوثّقة بالصوت والصورة، بفجاجة وسماجة تزكم الأنوف؟

لذا اسمحوا لي أن أهنّئ المهدوي على تحمُّله لمسؤوليته المهنية بممارسة حقِّه – بل واجِبه – في النشر. وحسبُه أن أقدم على ذلك. على أن تتولّى هيئات أخرى متابعة الأمر، وتتقدّم بالفيديو/الفضيحة إلى العدالة لتقول كلمتها الفصل.

وإلى ذلك الحين، على لمّة المُتآمرين على الصحافة والأخلاق والمؤسسات ممّن صدمَنا أداؤهم “الشيطانيُّ” – إذا استعَرْنا لغتَهم في الفيديو – أو ممّن حبكوا معهم خيوط المؤامرة سرًّا من غرف لم تطلْها “عينُ الكَشْف” أن يفهموا أنّ المغاربة مصدومون من هول ما رأوا، متقزّزون من سوء ما سمعوا، متضامنون مع ضحيةٍ انكشف اليوم بجلاءٍ أنّ مَن يتلاعب بها وبمصيرها زمرةُ “جلّادين” دجّالين بدوا في الفيديو أشبه ببهلوانات بائسة.

وكمواطنين أحرار، فإنّ احترامنا لأنفسنا ولبلدنا، وتمسّكنا بأخلاق المغاربة، يفرض علينا اتخاذ مسافة واضحة منهم ومن صنيعهم، وإعلان اشمئزازنا من أفعالهم السّافلة وأقوالهم السّاقطة.

ثمّ إنّ تجديد التضامن مع المهدوي والاصطفاف إلى جانبه اليوم واجبٌ على كل من يحترم الصحافة مهنةً، والعدالة قيمةً، والمغرب دولةً للقانون، والمغاربة شعبًا ذا كرامة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button