Hot eventsأخبارأخبار سريعةعين الحدث الافريقي

ذاكرة لا تُمحى… وصرخة خمسين سنة

خمسة عقود كاملة مرّت على واحدة من أكثر الصفحات إيلاماً في تاريخ العلاقات المغاربية، ورغم مرور الزمن وتبدل الأنظمة وتغير الخطابات، فإن جراح الآلاف من العائلات المغربية المطرودة من الجزائر سنة 1975 لا تزال مفتوحة، تنزف صمتاً وتطالب بإنصاف طال انتظاره.

اليوم، وفي الذكرى الخمسين لهذا الحدث المأساوي، يعود التجمع الدولي لدعم العائلات ذات الأصل المغربي المطرودة من الجزائر ليذكّر العالم بأن الذاكرة لا تُدفن، وأن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وأن معاناة الإنسان ليست تفصيلاً يُهمَل في سجلات السياسة.

45 ألف مغربي، نساءً ورجالاً وأطفالاً، اقتيدوا من بيوتهم ووظائفهم وأحيائهم بدون سابق إنذار، بدون تفسير، وبدون ذنب، ليُرمى بهم على الحدود في عز الشتاء، قبل أيام من عيد الأضحى، تاركين وراءهم ممتلكاتهم وذكرياتهم وحياتهم. بينهم أزواج مختلطون، عائلات تفرّقت بين ليلة وضحاها، أطفال وجدوا أنفسهم في وطن لم يعرفوه إلا بالاسم.

ورغم فداحة الحدث، ورغم الشهادات المتواترة، ورغم الألم الذي لم يهدأ، ما تزال الجزائر الرسمية تصرّ على الصمت، صمت يثقل الذاكرة ويعمّق الجراح، خاصة حين يقترن بخطابات متكررة تطالب فرنسا باعتذار “واضح وصريح” عن جرائم الاستعمار… بينما تُغلق تماماً صفحة طرد آلاف الجيران دون محاكمة أو سبب مقنع.

المفارقة هنا صارخة: كيف يمكن لدولة أن تُطالب العالم بإنصاف ضحاياها، فيما تحجب الاعتراف عن ضحايا جريمة ارتُكبت داخل حدودها وبقرار صادر عن أحد رؤسائها؟
كيف يمكن لملف الذاكرة أن يكون مفتوحاً في الجزائر حين يتعلق بالماضي الفرنسي، وأن يُغلق بإحكام حين يتعلق بمغاربة عاشوا وعملوا داخل التراب الجزائري؟

إن دعوة التجمع الدولي اليوم إلى اعتذار رسمي وتعويض واسترجاع للممتلكات، ليست دعوة لتصفية حسابات سياسية، بل مطلباً أخلاقياً أولاً، وإنسانياً قبل كل شيء. فالمصالحة لا تُبنى على النسيان القسري، بل على الاعتراف، على الشجاعة، وعلى احترام كرامة الإنسان مهما كان جنسه أو أصله.

الذكرى الخمسون ليست مجرد رقم… إنها فرصة. فرصة للجزائر كي تراجع مواقفها بجرأة، وفرصة للمغرب كي يواصل الدفاع بهدوء عن حقوق مواطنيه، وفرصة للمنظمات الدولية كي تُسهم في ترميم جرحٍ طال أمده.

إنصاف هؤلاء الضحايا ليس فقط استعادة ممتلكات أو تعويضات مالية، بل هو استعادة اعتبار، واستعادة تاريخ تمت مصادرته قسراً.

اليوم، وبعد نصف قرن، لا يطلب هؤلاء سوى الحقيقة…
والحقيقة لا ينبغي أن تخيف أحداً.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button