حين تُدار الانتخابات خارج الزمن القانوني… أي ديمقراطية نريد؟

مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة المرتقبة سنتي 2026 و2027، بدأت تتسلل إلى المشهد السياسي مؤشرات مقلقة توحي بأن السباق نحو الصناديق قد انطلق قبل موعده القانوني، وبقواعد غير مكتوبة، تُدار في الظل أكثر مما تُدار في الفضاء العمومي المنظم.
رغم وضوح القوانين المنظمة للعملية الانتخابية، فإن الواقع يكشف عن تنامي أنماط من السلوك السياسي تُمارَس خارج الأطار القانوني، من تكثيف الحضور في المناسبات الاجتماعية الخاصة؛ و تقديم مساعدات بواجهات إنسانية أو تضامنية؛ الى استغلال النفوذ الاقتصادي أو
الاجتماعي لبناء ولاءات مسبقة من تحركات ميدانية تحمل طابعًا انتخابيًا دون إعلان رسمي.
هذه الممارسات، وإن بدت في ظاهرها اجتماعية أو تضامنية، إلا أنها في جوهرها إعداد مبكر لحملة انتخابية غير معلنة.
فيصبح المال أحد أكثر العوامل إثارة للجدل داخل المشهد الانتخابي، حيث يُستعمل أحيانًا كوسيلة للتأثير غير المباشر على اختيارات المواطنين، ما يطرح إشكال تكافؤ الفرص بين المرشحين، ويُضعف من مصداقية التنافس الديمقراطي.
فحين يصبح القرب من الناخب مرتبطًا بالقدرة على “العطاء” بدل البرامج والأفكار، تتحول العملية الانتخابية من ممارسة سياسية إلى عملية استمالة مصلحية.
يقف المواطن بين الثقة والارتياب، حيث الواقع يساهم في تعميق أزمة الثقة بين المواطن والمؤسسات المنتخبة، ويغذي شعورًا عامًا بأن النتائج تُحسم قبل يوم الاقتراع، وهو ما ينعكس سلبًا على نسب المشاركة، خصوصًا في صفوف الشباب، الذين باتوا ينظرون إلى السياسة باعتبارها مجالًا مغلقًا تحكمه المصالح لا الكفاءات.
أمام هذه التحولات، تبقى مسؤولية الأحزاب السياسية في تأطير مرشحيها وضبط سلوكهم؛
و في المؤسسات الرقابية في تتبع التجاوزات مهما كان شكلها؛ ايضا في المجتمع المدني والإعلام في التنبيه والتوعية؛ ثم مسؤولية المواطن في رفض كل أشكال التوظيف المصلحي لصوته.
كما ان التحدي الحقيقي الذي يواجه التجربة الديمقراطية اليوم ليس في تنظيم يوم الاقتراع فقط، بل في نزاهة ما يسبقه. فالديمقراطية لا تبدأ من الصندوق، بل من احترام الزمن السياسي، وضمان تكافؤ الفرص، وربط المسؤولية بالمحاسبة.



