Hot eventsأخبارأخبار سريعة

بين طائر الفينيق والغربان

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي

ليس كلُّ انبعاثٍ ولادة، ولا كلُّ تحليقٍ دليلَ قوة.
فثمّة كائناتٌ تظنّ أن مجرّد نفض الرماد يكفي لاستعادة الارتفاع، متناسيةً أن النار لا تترك أثرها على الريش وحده، بل تنقش بصمتها في الذاكرة والاختيار.
يخرج الفينيق من احتراقه متوهّمًا أن الأسطورة ما تزال صالحة للاستدعاء، وأن الزمن لم يتعلّم قراءة نهاياته. يحوم في فضاءٍ لم يعد يعرفه، ويحسب أن الهواء القديم سيحمله كما كان يفعل من قبل، غير مدرك أن السماء نفسها تغيّرت، وأن التحليق لا يُستعاد بالادّعاء، بل بإعادة التكوين.
تراقبه الغربان من بعيد. لا تنقضّ، ولا تهاجم، ولا تُظهر خوفًا أو انبهارًا. فحكمتها ليست في المخالبة، بل في التريّث. تعلم أن من لم يسأل نفسه: لماذا احترقت؟، سيعود حتمًا إلى رماده، مهما طال الدوران. فالذي يُبعث بلا وعي، يولد مهيّأً للسقوط.
لقد احترق الذين أيقظوه من سباته وهم يلعبون بالنار، ظانّين أنهم يتحكمون فيها. والنار، حين تُستدرج للّعب، لا تميّز بين لاعبٍ وموقود. كلّها فتنة واحدة، وكلّها تترك خلفها خرابًا يتقاسم المسؤولية.
غير أن المأساة لا تقف عند حدود الاحتراق، بل تبدأ حين يظن الغارق في الوحل أن قطرة ماء كافية لغسل ما تراكم من درن. فالأوساخ التي تأتي من الطريق تُمحى، أما التي تنشأ من المسار، فلا يزيلها إلا تغيير الاتجاه. من علق في الوحل لا يحتاج إلى تلميع، بل إلى شجاعة الاعتراف.
وفي مشهدٍ أكثر قتامة، تتحوّل القيم إلى أقنعة، والتقوى إلى رصيدٍ موسمي، تُصرف عند العتبات العالية، وتُشهر في وجه كل سؤال مزعج. هناك حيث يُحاصر العلم لا لأنه كاذب، بل لأنه لا يجامل، ولأنه يملك تلك القدرة الخطيرة على تسمية الأشياء بأسمائها.
هكذا تتكرّر المأساة عند اقتراب اي استحقاق انتخابي:
فينيقٌ يصدّق الأسطورة، وغربانٌ تفهم النهاية، ونارٌ لا تُجيد سوى الحقيقة، ورمادٌ يظنّ نفسه بداية.
وفي كل مرة، لا يكون السقوط مفاجئًا…
بل مستحقًّا.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button