Hot eventsأخبارأخبار سريعة

أرباح البنوك وجفاف الحقول: من المستفيد حقًا؟

في مشهد يتسم بالتناقض الصارخ، يواصل القطاع الفلاحي في المغرب مواجهة تحديات قاسية، على رأسها الجفاف المتواصل وشح الموارد المائية. في المقابل، تُعلن مجموعة القرض الفلاحي عن نتائج مالية “استثنائية” وأرباح تتزايد، ما يثير تساؤلات ملحة حول المستفيد الحقيقي من هذه الدينامية المالية، بينما يكافح آلاف الفلاحين الصغار للبقاء.

– أرقام صامدة في وجه الأزمة
وفقًا لبيانات القرض الفلاحي، قفز الناتج البنكي الصافي الموحد للمجموعة خلال عام 2024 إلى 4.8 مليارات درهم، بزيادة 28%. كما ارتفعت الأرباح الصافية الموحدة بنسبة مذهلة بلغت 438% لتصل إلى 243 مليون درهم. هذه الأرقام، على الرغم من كونها مبهرة من منظور مالي، تبدو وكأنها تنتمي لعالم موازٍ لواقع الفلاحة المغربية التي تعيش عامها السابع من الجفاف، وتراجعًا في الإنتاج، وارتفاعًا في تكلفة الموارد.

فكيف يمكن لمؤسسة مالية مرتبطة بقطاع يعاني من “اختناق غير مسبوق” أن تحقق مثل هذه الأرباح؟ هذا التساؤل طرحه الخبير الاقتصادي إدريس الفينة، مشيرًا إلى أن هذه النتائج قد تعني إما أن القطاع الفلاحي ليس في أزمة حقيقية، أو أن البنك لا يمول الفلاحين المتضررين فعليًا.

– الفلاح الصغير: الغائب الأكبر
المفارقة تزداد وضوحًا عند النظر إلى واقع الفلاحين الصغار. ففي الوقت الذي تعلن فيه أرقام الأرباح البنكية عن نمو مطرد، يواجه هؤلاء الفلاحون صعوبات جمة، بدءًا من عدم قدرتهم على الوصول إلى فروع القرض الفلاحي، وصولًا إلى استفادتهم المحدودة جدًا من التمويلات.

العديد من المؤشرات الخفية تشير إلى أن النصيب الأكبر من هذه التمويلات يذهب إلى فئة محدودة من كبار المستثمرين، أو يوجه نحو برامج فلاحية ذات طابع تسويقي لا تمس جوهر الإنتاج الزراعي الأساسي، ولا تلبي الاحتياجات الملحة للفلاحين الهشين في القرى والمناطق الجافة التي هي الأكثر تضررًا من الجفاف.

– ضرورة مراجعة النموذج التمويلي
هذا الوضع يفتح النقاش مجددًا حول الدور الاجتماعي للمؤسسات العمومية، خاصة البنكية منها. فالمعادلة تبدو مختلة عندما تحقق مؤسسة أرباحًا هائلة في قطاع يعيش أزمة، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي وملموس على صغار الفلاحين الذين يمثلون العمود الفقري لهذا القطاع.

إن الحاجة ملحة اليوم إلى مراجعة شاملة لنموذج تمويل الفلاحة في المغرب. يجب أن يضمن هذا النموذج العدالة في توزيع التمويلات، ويمنح الفلاح الصغير مكانة حقيقية وفاعلة ضمن المنظومة، لا مجرد رقم في الاستراتيجيات الكبرى أو وعود لا تتحقق على أرض الواقع.

الفلاحة المغربية تحتاج إلى تمويل عادل وموجه، يستند إلى القرب من الواقع، والاستماع الحقيقي لاحتياجات من يفترض أن يكونوا في صلب الأولويات التنموية. ففي نهاية المطاف، لا تعني نسب الأرباح البنكية شيئًا لفلاح لا يجد ماءً لسقي أرضه؛ ما يعنيه حقًا هو العدالة في توزيع الموارد، وأن لا يُترك عطشانًا بينما تجف حقوله.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button