Hot eventsأخبارأخبار سريعةإفريقياجهات المملكة

التحول السحري لجبهة البوليساريو من خطاب المواجهة إلى لغة التنازلات والخنوع

في تطور غير مسبوق، تشهد جبهة البوليساريو تحوّلًا جذريًا في خطابها السياسي، إذ انتقلت من نغمة التحدي والمواجهة إلى لغة التنازلات والبحث عن مخارج تحفظ ماء الوجه، وذلك في وقت يتجه فيه مجلس الأمن الدولي نحو مناقشة مشروع القرار الأمريكي المتعلق بملف الصحراء المغربية، والذي كرّس بشكل واضح مقترح الحكم الذاتي كحل وحيد واقعي وذي مصداقية.

ففي سابقة سياسية تعكس حجم التحول، أعلن محمد يسلم بيسط، وزير خارجية الكيان الانفصالي، خلال ندوة صحفية بالجزائر العاصمة، عن استعداد الجبهة لما أسماه بـ”تقاسم فاتورة السلام” مع المغرب، في إشارة إلى قبولها الدخول في مسار تفاوضي جديد يبتعد عن منطق الصدام، ويعترف ضمنيًا بشرعية الطرح المغربي القائم على الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية.
وقال بيسط إن “السلام مع المغرب ستكون له كلفة، ونحن مستعدون لتحمل جزء من هذه الفاتورة، مهما كانت التنازلات السياسية أو الاقتصادية أو النفسية التي ستترتب عن ذلك”.

ويأتي هذا التحول اللافت في وقت تعيش فيه الجبهة عزلة دبلوماسية غير مسبوقة، بعدما نجح المغرب، عبر دبلوماسية هادئة وحكيمة يقودها الملك محمد السادس، في تفكيك ما تبقى من شبكات الدعم الإيديولوجي والسياسي للجبهة داخل القارة الإفريقية وأوروبا وأمريكا اللاتينية. فقد استطاعت الرباط أن تُحوّل الملف من قضية نزاع سياسي إلى ورش للتنمية والاستقرار الإقليمي، ما جعل المجتمع الدولي ينظر إلى المبادرة المغربية للحكم الذاتي باعتبارها الحل الواقعي الوحيد لإنهاء النزاع المفتعل.

وتؤكد مصادر دبلوماسية أن الموقف الجديد للبوليساريو جاء متزامنًا مع إشارات قوية من العواصم الكبرى الداعمة للمغرب، خصوصًا واشنطن وباريس ولندن، التي عبّرت عن مساندتها لمشروع القرار الأمريكي الذي سيُعرض للتصويت في 31 أكتوبر الجاري، وينص على تجديد ولاية بعثة “المينورسو” لثلاثة أشهر فقط، مع الإقرار بمغربية الصحراء بشكل غير مباشر من خلال دعم المقترح الذاتي.

التحول الجديد يعكس كذلك توجس الجبهة من احتمال حدوث مصالحة جزائرية مغربية برعاية أمريكية، وهو السيناريو الذي قد يسحب من تحت أقدامها آخر أوراق الدعم والتمويل، ويضعها أمام واقع سياسي جديد تُفرض فيه التسوية كأمر واقع لا مفر منه.
ويرى محللون أن تصريحات الجبهة الأخيرة ليست سوى محاولة لتأمين موطئ قدم على طاولة المفاوضات قبل أن تُحسم الأمور بين الرباط والجزائر بشكل مباشر، وهو ما يجعلها تُلوّح بالاستعداد للتنازل تحت غطاء “السلام” تجنبًا للعزلة التامة.

وفي ظل هذه التحولات المتسارعة، تتجه الأنظار إلى جلسة مجلس الأمن نهاية الشهر الجاري، حيث من المتوقع أن يُكرّس النقاش الدولي التوجه العام نحو دعم الرؤية المغربية للحل، في وقت تواصل فيه المملكة تعزيز حضورها الدبلوماسي والسياسي في إفريقيا والعالم، بفضل استراتيجية بعيدة المدى جعلت من التنمية والاستثمار الإقليميين مدخلًا للسلام والاستقرار.

ويبدو أن جبهة البوليساريو بدأت، ولو متأخرة، تدرك أن زمن الشعارات الثورية قد انتهى، وأن الواقع الجديد الذي صنعته الدبلوماسية المغربية الراسخة لم يترك مجالًا لأي مغامرة انفصالية أو وصاية أجنبية على أقاليم المملكة الجنوبية.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button