موازين الحريّات

منذ صغري،
قيل لي إنّ هناك حريّاتٍ عليّ أن أُعلنها
مرفوعَ الرأس،
صافيَ الصوت،
تحت ضوء النهارات البهيّة.
لكنني، ومنذ الصغر أيضًا،
كنت أتساءل:
ما وزنُ هذه الحريّات
إن لم يُلقِ أحدٌ نظرة
إلى الظلّ الذي تربض عليه؟
فكما قالوا لنا في المدارس ورددوا على مسامعنا،
لكلِّ علوٍّ قاعدة،
وكلُّ قِمّةٍ تُخفي في ذاتها
سرّ أساسٍ لا يُرى.
وحين كبرتُ قليلًا، أدركتُ
أن لا بدّ لأحدٍ أن ينحني
لكي يعتدل آخر.
وأن يصمت واحد
ليتكلّم آخر بلا نهاية.
وأنّنا ننحت كلماتٍ نبيلة،
نخطُّها في الهواء،
ننقشها في الرخام،
ونجعلها ترنّ في الساحات.
لكنني كنت، في كلّ مرّة،
أرى الأيدي التي ترفع المنصّة
تبقى خارج المشهد،
في كواليس الحكاية.
ومنذ بدأت أسمعهم يتحدثون عنها،
علمتُ أنه لا وعدَ نقيًّا
إلّا ذاك الذي ينظر في عينه،
ويجرؤ أن يقول:
“من الذي جعلني ممكنًا؟”
وأنه لا عدلَ صادق
إلّا ذاك الذي يسائل
الأرضَ التي يطؤها.
وبعد سنين،
تعلّمت أن أؤمن
بأنّ الكرامة، أحيانًا، تتلحّف بالصمت،
وأن الحقيقة، تتدثّر بالغبار.
أنّهما تنتظران أن نراهما
من غير أن نُشير،
وأن نسمعهما
من غير أن تصرخا.
فإن كان، بعد كلّ ما رأيتُ وسمعت،
يهمّكم صوتُ شاهدٍ صامت،
وأمرُ حائرٍ غلب الريب يقينَ حدسه،
فدعوني أُهمس لكم بهذا:
إن حريةً لا تبحث عن جذورها،
تبقى ناقصة،
وصوتٌ لا يعرف الشك،
يُصبح طاغية نفسه،
وإن اختلّ الميزان يومًا،
فلن يكون بسبب انعدام الجمال في الأعالي،
بل بسبب غفلةٍ في الأسافل.
مترجم عن الفرنسية
عبد اللطيف زكي
الرباط، 8 غشت 2025



