أخبارتقارير وملفات

العقل الجريمي: تحليل نفسي وتقني لبعض من أذكى الجرائم في التاريخ

كتبت/ حنان الطيبي

منذ القدم، شكلت الجرائم الذكية مادة دسمة للتاريخ الجنائي، حيث أبدع المجرمون في تنفيذ عمليات معقدة استطاعت أن تثير إعجاب العقول، وتشعل التحقيقات طيلة سنوات طويلة. تتنوع هذه الجرائم بين السرقات الكبرى والاحتيالات المعقدة، والهروب من السجون، وكل واحدة منها تترك بصمة خاصة في الذاكرة. لكن ماذا وراء عقل الجاني الذي خطط لهذه الجرائم؟ كيف يخطط هؤلاء لأعمالهم، وما هي الأساليب النفسية والتقنية التي يعتمدون عليها؟ .

1. سرقة “فورت نوكس” – السرقة الأكثر غموضًا

تعد سرقة “فورت نوكس” واحدة من أشهر الحكايات التي لفتت الأنظار في عالم الجريمة، فـ”فورت نوكس” هو مستودع الذهب الأمريكي في ولاية كنتاكي، وكان يعتبر الحصن الأشد حراسة في العالم. فكر المجرم فريدي دودج، أحد عباقرة الجريمة، في تنفيذ عملية سرقة هائلة بعد دراسة دقيقة للأمن المحيط. في البداية، عمد دودج إلى تجنيد بعض العاملين داخل المنشأة، مستفيدا من الثغرات الأمنية التي يمكن استغلالها. في النهاية، تمكن من شحن كميات ضخمة من الذهب باستخدام وسائل مختبئة، وكان قد أعد مسبقا خطة للهروب عبر نظام معقد من الأنفاق والآليات المخبأة. وعلى الرغم من ذكاء التخطيط، إلا أن الحكومة الأمريكية أطلقت تحقيقا مكثفا باستخدام تقنيات تحليل الطب الشرعي، ما ساعد في القبض عليه.

2. الهروب الأسطوري من “ألكاتراز”

سجن “ألكاتراز” في سان فرانسيسكو يُعتبر من أكثر السجون حرصا على تشديد الحراسة والمراقب في العالم، حيث كانت تدابيره الأمنية من أعلى المستويات، بما في ذلك أسوار عالية، وأمواج البحر التي كانت تحيط به من كل جانب، ولكن في عام 1962، خطط ثلاثة سجناء -فرانك موريس، وجون أنغلين وآلبرت أنغلين- للهروب الأكثر شهرة وإثارة في التاريخ؛ هؤلاء السجناء استغلوا الأدوات البسيطة مثل الملاعق لبدء حفر الثقوب في جدران زنزاناتهم في سرية تامة ليس عن الحراس فقط، بل ايضا عن زملائهم في السجن، ولإخفاء تقدمهم، استخدموا أوراق الصحف والبطانيات كغطاء لأعمالهم الحفرية، ثم قاموا بصنع قوارب بدائية من أكياس المطر التي استخدموها لعبور مضيق “ألكاتراز” في منتصف الليل، لينجحوا بالفعل في الهروب الخطير والغامض، ورغم أن التحقيقات استمرت طيلة أعوام عديدة، لم يتم العثور على أي أثر لهؤلاء السجناء، مما جعل الهروب يكتسب طابعا أسطوريا لذلك كان الهروب مزدوجة بحيث نجحوا في الهروب من السجن وحتى من المجتمع إذ يعتقد بأنهم من المحتمل أن يكونوا قد غيروا شخصياتهم وأسمائهم واختبؤوا في أماكن مجهولة.

3. أكبر عملية احتيال مالية: “بيرني مادوف”

في أحد أكبر وأشهر عمليات الاحتيال المالي في التاريخ، قام بيرني مادوف بتأسيس ما يعرف بمخطط “بونزي” الذي استمر لعقود، حيث كان مادوف، المستثمر الأمريكي المعروف، يدير صندوقا استثماريا يعتبر من الأضخم في الأسواق المالية العالمية. استغل مادوف ثقة المستثمرين الذين كانوا يظنون أنه يحقق لهم عوائد ضخمة، لكن في الواقع، كان يستثمر أموال المستثمرين الجدد في تقديم أرباح للمستثمرين القدامى، مما يعد من أبسط أشكال الاحتيال المالي..، وفي العام 2008، انهار النظام برمته بسبب الأزمة المالية العالمية، ليكتشف الجميع أن مادوف كان قد اختلس نحو 65 مليار دولار، وقد تم القبض عليه في ديسمبر من نفس العام وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، حيث كشف تحقيقه عن ضخامة الجريمة وتعقيداتها، ومدى براعة مادوف في إخفاء المعاملات المالية غير المشروعة لسنوات طويلة.

4. سرقة “لوفر” الشهيرة – مونا ليزا المفقودة

في عام 1911، كانت لوحة “مونا ليزا” الشهيرة، والتي كانت تعرض في متحف اللوفر في باريس، هدفا لأحد أكبر السرقات في التاريخ الفني، بحيث كان العقل المدبر لهذه الجريمة هو فيتوري فيوري، وهو إيطالي قد سبق له العمل في المتحف كموظف، وفي إحدى الليالي، استطاع فيوري إخفاء نفسه داخل المتحف، حيث تجنب الأنظار بسهولة بعدما ارتدى زي موظف في المتحف ولبث مختبئا بداخله حتى خروج الكل من مستخدمين وزوار.. وفي صباح اليوم التالي، اكتشف الجميع اختفاء اللوحة، مما أثار حالة من الفوضى الإعلامية حول العالم، وقد استخدم فيوري خطة محكمة لتخزين اللوحة بعيدًا عن الأنظار لمدة عامين كاملين، بينما كانت عمليات البحث مستمرة، لكن في نهاية المطاف، تم اكتشافه بعدما حاول عرض اللوحة في إيطاليا، ليتم إلقاء القبض عليه وتسليم اللوحة إلى المتحف مرة أخرى. وعلى الرغم من مرور أكثر من 100 عام، تظل هذه السرقة واحدة من أكثر القصص إثارة في تاريخ الجرائم.

5. الهروب الكبير من السجن البلجيكي: “ماتياس ستيفان”

في عام 2006، دخل ماتياس ستيفان تاريخ الجرائم بعد أن قام بهروب غير مسبوق من سجن في بلجيكا. كانت تفاصيل الهروب تظهر براعة غير متوقعة، فقد استغل ستيفان ثغرات في نظام الحراسة السجن، وقام بإعداد خطة محكمة للهروب باستخدام تقنيات متعددة، وذلك من خلال استخدام الهواتف المحمولة التي جلبها سرا داخل السجن، بحيث تواصل مع مجموعة من الخارج من الذين ساعدوه في الهروب عبر شبكة من الأنفاق التي تم حفرها سرا ولوحده، وتمكّن ستيفان من الهروب من السجن مع عدد من شركائه، وما يزال مصيره مجهولا حتى اليوم، على الرغم من المحاولات المستمرة للقبض عليه.

هذه القصص تظهر لنا أن المجرمين الأكثر براعة ليسوا فقط من يمتلكون القدرة على ابتكار خطط معقدة، بل من يجيدون استخدام علم النفس وتقنيات التمويه والخداع بشكل مدهش. من السرقات الكبرى إلى الاحتيالات المعقدة، مرورا بالهروب من السجون، تكشف لنا هذه الجرائم عن عمق الفهم البشري وإصرار المجرم على تنفيذ مخططه مهما كانت التحديات، ورغم أن التحقيقات قد تأخذ وقتا طويلا، فإن التكنولوجيا الحديثة وعلم النفس الجنائي يظلان المفتاحين الأساسيين للكشف عن هذه الجرائم في النهاية.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button