قصص و شخصيات

ثامن رمضان: عندما تعذر الصيام على مسلمي البرتغال بسبب الاضطهاد الديني فلجأ الكثير منهم إلى المغرب

في الثامن من رمضان 907 هـ / 1502 م، في أوج الحملة الشرسة من الاضطهاد والتقتيل والتهجير الذي كانت تمارسه محاكم التفتيش الإسبانية والبرتغالية ضد المسلمين من الموريسكيين في بلاد الأندلس وإيبيريا، ومع صدور قرار الكنيسة الكاثوليكية البرتغالية بمطاردة كل مسلم وإجباره على الارتداد عن الإسلام، تعذر الصيام على المسلمين البرتغاليين لأول مرة، واضطر الكثير منهم إلى الفرار إلى شمال أفريقيا والمشرق العربي، وكان للمغرب دور كبير في استقبال وإيواء إخوانهم اللاجئين هربا من الاضطهاد الديني.

وبحسب موقع قصة الإسلام فقد طورد المسلمون قتلا وتشريدا وتنصيرا، وكان الاضطهاد الكنسي موازيا لجميع الحملات المتربصة بهم في كل مكان، واتخذت سمة الاستماتة والعنف داعية إلى وجوب إبادة المسلمين وإخراجهم من الجزيرة الإيبيرية مهما كلف الثمن، وصاحب هذا التدخل الكنسي الفصول النهائية لمأساة الوجود العربي الإسلامي في إسبانيا والبرتغال.

وعانى الموريسكيون خلال حقبة طويلة ألوانا من الاضطهاد المدني والديني، إلا أن المشكل الموريسكي بالبرتغال لم يحظ بالاهتمام الكافي من طرف المؤرخين كما حظي موريسكيو إسبانيا، ويعلل ذلك الباحث المغربي أحمد بوشرب إلى كون الجالية الموريسكية بالبرتغال كانت أقل عددا وخطورة من الجالية الموريسكية الإسبانية من جهة، وإلى كون أرشيفات البرتغال لا توفر مصادر توازي من ناحية الوفرة والتنوع ما تقدمه أرشيفات إسبانيا، وإذا قيل بشأن موريسكيي إسبانيا أنهم عبارة عن جالية بدون تاريخ فإن ذلك ينطبق على موريسكيي البلد المجاور نظرا لكون المعلومات والأخبار التي وصلتنا عنهم تنحصر في ما ورد بمصادر محاكم التفتيش الدينية، إذ لم يصلنا أدنى خبر عن أوضاع هذه الجالية خلال الفترة الممتدة ما بين ظهور المشكل الموريسكي بعد إقرار التنصير الإجباري الذي فرضه الملك (إمنويل) على مسلمي ويهود البرتغال سنة (902هـ / 1497م) وبداية العمل بمحاكم التفتيش سنة (943هـ / 1536م)، فلقد اختفت كل المصادر والوثائق الإسلامية والموريسكية المتعلقة بهذه الحقبة المهمة من تاريخ البرتغال.

ويرى الأستاذ بوشرب أن سكوت المصادر عن الجالية الموريسكية البرتغالية مؤسف حقا، لكونه لا يحرمنا من إمكانية تتبع موقف المسيحيين منهم ومقارنته مع ما خصوا به المسيحيين المحدثين (اليهود المتنصرين) فحسب، ولكنه يحرمنا أيضا من إمكانية تتبع موقف موريسكيي البرتغال من الموريسكيين الأجانب الذين تم جلبهم من البلاد الإسلامية الإفريقية والآسيوية ومن إسبانيا، ومن ثم معرفة مدى تماسك وتآزر الجالية الإسلامية المرغمة على التنكر لدينها.

ووفرت محاكم التفتيش مادة مهمة سمحت بتسليط الأضواء على أوضاع الموريسكيين المقيمين بالبرتغال؛ إذ وصلتنا مئات من محاضر المحاكمات بعد أن ضاعت أعداد هائلة منها، كما وصلتنا عشرات من دفاتر التبليغات والاعترافات وكتب (المحامي المراقب).

وإذا كان الموريسكيون محرومين من حريتهم، يعانون من سوء المعاملة ومن ظروف عيش جد قاسية، فإن أوضاعهم تأزمت أكثر بسبب ما كانوا معرضين له من رقابة يومية تحرمهم حتى من إمكانية التصرف بشكل طبعي، ولزمتهم لعبة ازدواجية الشخصية الصعبة؛ وذلك بالارتباط بقيم المجتمع البرتغالي وعقيدته من الناحية المظهرية لإبعاد الشر عن أنفسهم وبالارتباط بالإسلام سرا اعتمادا على التقية.

وفعلا لم يأخذ هؤلاء اعتناقهم للمسيحية مأخذ الجد؛ إذ اعتبروا أن حفل التعميد لا يلزمهم في شيء. ولهذا استمروا في استعمال أسمائهم الإسلامية، والقيام سرا ببعض الفرائض كالصلاة والصوم والنطق بالشهادة والاستغاثة بالله وبالنبي صلى الله عليه وسلم وبالأولياء. مع الحرص على الظهور بمظهر المسيحيين الصادقين. ولم يكونوا يتركون أية فرصة تمر دون أن يسخروا من المسيحية وأن يؤكدوا على أفضلية الإسلام وعلى ارتباطهم به. وكان النقد موجها على الخصوص لمبدأ الثالوث، ومن ثم لصفات وألوهية عيسى، لبكارة السيدة مريم، وللقربان المقدس ودلالته، وكذلك للكنائس ورسومها ونواقيسها .. إلخ).

واستغل البرتغاليون باستمرار كل خلاف أو سوء فهم مع الموريسكي لتذكيره بأصله ولإهانته، ولم يكن البرتغالي في حاجة إلى مبرر للقيام بذلك. فقد ذكر (جواد راغو J.DRAGO) أمام المحكمة أن خدام سيده كانوا يستغلون كل خلاف معه “لمناداته بالمسلم القديم، ابن المسلم، وبالكلب”، وكان لفظ (كلب) كثير الاستعمال لسب الموريسكي الذي سرعان ما جعل منه بدوره مرادفا لكلمة (برتغالي).

فلقد بلغت برتغالية بأخرى لكونها لاحظت أنها لم تتوقف عن مناداة خادمتها المغربية (بالكلبة) وذلك رغم أنها تنصرت وأصبح لها اسم مسيحي! وكان لفظ موريسكي يستعمل من طرف جل البرتغاليين استعمالا قدحيا للتأكيد على حداثة تنصر الموريسكي وعدم صدقه في ذلك. وكان عدد مهم منهم لا يستعمل إلى كلمة (مسلم) للإشارة إلى الموريسكي.

وتكثر بمصادر محتكم التفتيش البرتغالية الإشارات إلى المورسكيين الذين جلدهم أسيادهم أو حبسوهم أو حرموهم من الطعام لمدة معينة، أو الذين كانوا يجوبون شوارع العاصمة وهم مكبلون بالسلاسل الحديدية. وعبر أحد المورسكيين العاملين بلشبونة عن العلاقة بين العمل والأجور بما يلي: “كانوا يقضون أيامهم بالميناء والتبن، وقد كسرت ضلوعهم كالحمير، دون أن يوفروا من ذلك في نهاية السنة لا ريالا ولا سبتيا”.

وكان يشرف على محاكم التفتيش الدينية البرتغالية في بداية الأمر أسقف مدينة سبتة، الذي سرعان ما استقال بسبب غلو القضاة وبشاعة الطرق المستعملة من طرف المحكمة، وقساوة الأحكام الصادرة عنها. واستمر العمل بمحاكم التفتيش إلى سنة (1236هـ / 1821م).

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button