صفرو: غضب البحار وتجاهل الأرض

في صباح يوم الاثنين، ارتفعت أصوات احتجاجات حادة في سوق “رباط الخير” بمدينة صفرو، لم يكن الصوت صادرا فقط من أفواه المحتجين، بل كان صرخة بحرية غاضبة تشق أفق المدينة، وتخترق صمت الجدران المتهالكة التي احتفظت بذكريات أجيال تعاقبت دون أن تجد صوتها بين الحشود..، لقد كان الغضب شعبيا، لكن خلفه كان هناك شيء أعمق، شيء يغلي في صدور الناس ويبحث عن منفذ.
موجة الغضب التي عمت السوق كانت متفجرة، تحولت اللحظات إلى فوضى تجسدت في إسقاط صناديق الأسماك من على الطاولات، كأنما أراد المتظاهرون أن يرموا بكل شيء بعيدا، لم يعد يهمهم شيء سوى رد الاعتبار!, ولكن هل كان ذلك يعبر عن الغضب فقط، أم كان تعبيرا عن شيء أكبر؟ عن جوعٍ لا يراه أحد، أو عن خوف يعشش في الأفق؟ هل كان الأمر مجرد احتجاج ضد الأسعار المرتفعة، أم هو انعكاس لمجموعة من الجروح التي يتراكم بعضها فوق البعض الآخر، فلا يجد المواطن مكانا ينفث فيه ألمه سوى الشوارع؟
السردين، السمك الذي كان يوما طعام الفقراء ووجبة العاملين البسطاء، أصبح اليوم محط الأنظار في هذه الاحتجاجات!.. وبينما كان الباعة يبيعون السردين بأثمان تتراوح بين 4 و5 دراهم، كان المستهلكون يتساءلون: لماذا أصبح من الصعب عليهم أن يحظوا بما هو أبسط من حاجاتهم؟ لم يكن الأمر يتعلق بالسردين فقط، بل كان مؤشرا على الانهيار الذي يعيشه الإنسان في هذا المجتمع، الإنسان الذي يرى نفسه يوما تلو الآخر عاجزا عن تحقيق أبسط مطالبه.
فالسوق لا يعكس فقط الأسعار المرتفعة، بل هو مرآة لما يحدث خلف الستار.. كل تفصيل صغير يحمل قصة معاناته، وكل سمكة مباعة هي علامة على ما يخسره هذا الإنسان البسيط.. ولكن من المسؤول عن هذه الفوضى؟ هل هو تاجر السمك الذي يبيع محصوله بسعر مرتفع؟ أم هو ذلك الوسيط الذي يزعم أنه يحمل بضاعته بثمن معقول وهو في الحقيقة يرفع الأسعار للحد الذي لا يتحمله المواطن؟ أم هل هو النظام الاقتصادي الذي يجعل من الفقراء مجرد رقع في لعبة لا يعرفون قواعدها؟
في هذا الصراع بين البحر والأرض، لا يسعنا إلا أن نتساءل: إلى متى ستظل أصواتنا غافلة عن الصوت الحقيقي؟ إلى متى سنظل نغرق في تفاصيل صغيرة ونغفل عن الجرح الكبير الذي نزف منه هذا المجتمع؟