من “المغرب الأخضر” إلى “الجيل الأخضر”: هل آن أوان السيادة المائية قبل الغذائية؟

بعد تفكيك حصيلة مخططي “المغرب الأخضر” و “الجيل الأخضر”، خلصت ورقة تحليلية صادرة عن المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة إلى أن ما تحقق من مكاسب اقتصادية واستثمارات مهمة في القطاع الفلاحي، يقابله بروز اختلالات هيكلية عميقة تمس الأمن الغذائي واستنزاف الموارد الطبيعية، في مقدمتها الماء، خاصة في ظل الإجهاد المائي الحاد الذي يعرفه المغرب.
وأكدت الورقة أن ضمان استدامة القطاع الفلاحي ومواجهة تحدياته البنيوية يقتضي تبني مقاربة جديدة تقوم على إرساء السيادة المائية كمدخل أساسي لتحقيق السيادة الغذائية، بدل الاستمرار في سياسات توسعية لا تراعي التوازن البيئي والقدرات المائية الحقيقية للبلاد.
وفي هذا السياق، دعا المركز إلى إعادة توجيه السياسات الفلاحية بما يجعل الأمن الغذائي الداخلي أولوية قصوى، من خلال توجيه الدعم والتحفيزات نحو الزراعات الأساسية التي تضمن حاجيات السوق الوطنية، وعلى رأسها الحبوب والقطاني، مع تقليص الاعتماد المتزايد على الاستيراد.
كما شدد المصدر ذاته على ضرورة إصلاح الحكامة المائية عبر ربط الدعم الفلاحي بترشيد استعمال المياه، ومنع أو تقييد الزراعات الشرهة للماء في المناطق التي تعاني من استنزاف الفرشات الباطنية، مبرزًا أن الحكومة شرعت فعلاً في اتخاذ خطوات أولية في هذا الاتجاه، من خلال وقف دعم الري الموضعي لبعض الزراعات.
ودعت الورقة إلى تشجيع المحاصيل المتكيفة مع الجفاف، والتي تتطلب كميات أقل من المياه، مثل الزيتون، والنباتات الطبية والعطرية، وبعض أصناف الحبوب المقاومة، مع إعادة توجيه الدعم العمومي نحو الزراعات المعيشية والخضر والقطاني باعتبارها أساس الأمن الغذائي.
وفي الإطار نفسه، أوصى التقرير بإعادة النظر في دراسات الجدوى الخاصة ببعض الزراعات التصديرية، وضبط مواقعها ومساحاتها بما يمنع التوسع على حساب الزراعات المعيشية والمراعي، إلى جانب تشجيع التعاونيات والمؤسسات الاقتصادية بالمناطق القروية الصعبة، للحد من الهجرة القروية وخلق فرص شغل مستدامة.
كما أكدت الورقة أهمية إعادة تقييم وضعية المراعي وتربية الماشية، بهدف تقليص التبعية للاستيراد وتعزيز الإنتاج الوطني، مع مراعاة الخصوصيات المجالية لكل منطقة، داعية إلى تعزيز التنسيق بين القطاعات الحكومية المعنية بالماء والفلاحة والبيئة لضمان انسجام السياسات العمومية.
وبخصوص حصيلة مخطط المغرب الأخضر، سجل التقرير ارتفاعًا قياسيًا في الصادرات الفلاحية والغذائية، التي بلغت حوالي 1.3 مليون طن خلال موسم 2018-2019، إضافة إلى جذب استثمارات مهمة تجاوزت 104 مليارات درهم بين 2008 و2018، وخلق فرص عمل في سلاسل الإنتاج الموجهة للتصدير. غير أن هذه المكتسبات رافقها، بحسب التقرير، إهمال واضح للأمن الغذائي الداخلي، نتيجة التركيز على زراعات موجهة للتصدير مثل الأفوكادو والبطيخ الأحمر، مع اتساع الفوارق بين الفلاحين الكبار والصغار، وتفاقم الهشاشة بالمناطق البورية.
أما استراتيجية “الجيل الأخضر 2020-2030”، فرغم تسجيلها مؤشرات أولية إيجابية عبر مشاريع إدماجية ودعم للتعاونيات، إلا أن التقرير أشار إلى استمرار تحديات كبرى، من بينها بطء التنفيذ، وتأثير الجفاف المتكرر، واستمرار الإكراه المائي، الذي يظل التهديد الأبرز لاستدامة القطاع الفلاحي برمته.



