أخبارالرئيسيةالعالمفي الصميم

فرنسا..رمزية البكارة في الوسط الاغترابي المغربي وتضارب المواقف بشأنها

باريس ـ أحمدالميداوي

ظاهرة ملفتة تستأثر بالاهتمام في طقوس الزواج المغربي بفرنسا وتتعلق بالعذرية أو “غشاء البكارة” التي يقارنها الأقدمون بعود الثقاب ما أن يستخدم مرة فلا مجال لإشعاله مجددا.

وفقدان البكارة سواء من خلال الممارسة الجنسية أو أحيانا من جراء التمارين الرياضية أو بعض الحوادث العارضة، لا زال يشكل مهانة ووصمة عار في الوسط الاغترابي المغربي والمسلم بشكل عام، حيث تضطر العديد من الفتيات ممن فقدن عذريتهن إلى استعادتها مجددا عن طريق جراحين مختصين.

وقد أخذت البكارة حيزا هاما من اهتمام الأسر المغربية بفرنسا بالرغم من تشديد البعض ممن لهم معرفة بشؤون الدين على أن الإسلام لا يحدد العذرية كإحدى شروط الزواج.

ولجأت عدة مسلمات شابات إلى عمليات جراحية لتفادي عواقب ضياع البكارة، واعترفت بعضهن بدفع ما يفوق الألف أورو لإجراء العملية التي تعتمد على ترقيع غشاء البكارة في عدد من العيادات الخاصة في فرنسا.

وانتشر مؤخرا في الأسواق الفرنسية منتوج صناعي يستخدم كبديل عن غشاء البكارة الطبيعي دون الحاجة إلى عيادة جراحية. والغشاء هو حلقة رهيفة زهيدة الثمن لا تتعدى 40 أورو (400 درهم) تحتوي على سائل أحمر وتتمزق بالجماع كتمزق الغشاء الطبيعي.

ورغم الافتقار للإحصائيات بعدد المسلمات اللواتي يلجأن إلى مثل هذه الممارسة في فرنسا، إلا أن الأطباء يجمعون على تزايد الإقبال على هذا النوع من الجراحة غير الملائمة، ولكنها الوسيلة الوحيدة للنساء اللواتي يخشين عقاب التقاليد على اعتبار أن البكارة هي في المخزون الأخلاقي المغربي، واحدة من مقومات شرف الفتاة وشرف الأسرة بكاملها.

وتختلف آراء الشباب المسلم في فرنسا بشأن هذه المسألة الحساسة القائمة بين جيل من الفتيات اللواتي يرغبن في تقليد زميلاتهن الفرنسيات، وبين آباء وأمهات متمسكين بالتقاليد العربية المحافظة. ففيما يلح البعض على أهمية غشاء البكارة كجزء من شرف الفتاة، يرى آخرون وهم كثرة في الوسط الاغترابي الفرنسي، أن مسألة العذرية لا معنى لها وأن شرف الفتاة لا يكتمل فقط من خلال هذا الغشاء الذي قد يحدث أن تفقده لأسباب لا علاقة لها بالشرف، وهناك من هو مستعد للتزوج من امرأة لا تؤمن مثله بمسألة العذرية المغشوشة التي يتم الحفاظ عليها من خلال اللجوء لممارسات أخرى ساقطة. ويصر هؤلاء مع ذلك على أن يتم الزواج على أساس عقد شرعي وفق التقاليد الإسلامية الموروثة.

ودوافع إصرار الشباب المسلم على الزواج الشرعي مردها إلى تفشي ظاهرة زواج “الباكس”، حيث أزيد من نصف حالات الزواج بفرنسا تتم اليوم من دون إبرام أي عقد شرعي أو ديني ولا حتى مدني، وحيث إنجاب غير المتزوجين للأطفال، غدا أمرا مقبولا في مجتمع تخلى باسم الحرية والانفتاح، عن مؤسسة الزواج كمنظومة أخلاقية واجتماعية لها دور حاسم في التوازن العائلي وتربية النشء.

والأحوال الشخصية في فرنسا تبقى أحوالا بالفعل شخصية، حيث قانون تنظيم الأسرة يبيح الزواج من دون أية تدخلات إدارية أو قانونية، ويجيز الطلاق بعيدا عن صداع المحاكم، إذا ما تم بالتراضي. ولحسن الحظ أن الظاهرة منبوذة بشكل قطعي في الوسط الاغترابي.

فما من مسلم تسأله اليوم عن طبيعة هذا النوع من الزواج، الذي يتقاطع مع عادات وتقاليد شكلت على امتداد عصور، مصدر اعتزاز وتفاخر بالنسبة للفرنسيين، إلا ويجيبك بأن وتيرة الحركية الاجتماعية المطبوعة بالسرعة، وبالروح الاستهلاكية، أدخلت الفرنسيين في عملية تذويب لا سابق لها، قد تجعل منهم في غضون عقود قليلة، مجتمعا بلا مرجعية ولا هوية.. مجتمع يصعب فيه على الأبناء معرفة آبائهم الشرعيين، من آبائهم المصطنعين.

وحجة هؤلاء مستقاة من التقرير السنوي لوزارة الأسرة الذي أكد أن سنة 2023 سجلت توقيع 97 ألف عقد “باكس” بين رجال ونساء، عوض عقود الزواج القانوني المتعارف عليه.

وكلمة ” باكس” في قانون الأحوال الشخصية الفرنسي، تعني توقيع عقد متفق على بنوده بين الزوجين فقط دون تدخل لا من القانون ولا من السلطة، أي أنه عقد يوفر الحرية الشخصية الكاملة للرجل والمرأة المقبلين على حياة مشتركة، في تحديد شروط هذا الارتباط في نطاق التزام مدني واحد، وهو عدم المساس بحرية و حقوق الآخرين. وهو بعبارة أخرى، زواج متعة أو زواج عرفي يتم بدون أية تدخلات إدارية أو قانونية أخرى.

ومن “حسنات” هذا الزواج أن أزيد من نصف الأطفال الفرنسيين (54.5%) ولدوا عام 2022 خارج إطار الزواج القانوني التقليدي أي أنهم أطفال “الباكس” أو أطفال زوجين أعزبين لم يبرما أي عقد لا شرعي ولا ديني ولا مدني.

وزواج الباكس ليس مقصورا فقط على بسطاء الناس وعامة الشعب. فالرئيس الفرنسي الراحل، فرنسوا ميتران، تزوج زوجته الثانية، آن بنجو، وهي تصغره بربع قرن وأنجبت له بنتا “باكسية” سماها مازارين، وهي اليوم كاتبة وخبيرة إعلامية معروفة.

والرئيس الفرنسي السابق خلّف مع سيغولين روايال أربعة أطفال دون عقد شرعي. وكذلك فعل الأمير ألبرت، أمير إمارة موناكو الذي ارتبط بزواجين عرفيين من سمراء إفريقية، مضيفة طيران، ومن إعلامية هولندية، وهما تسكنان على حساب الأسرة المالكة شقتين في موناكو.

وحال الزواج لا يختلف كثيرا عن نقيضه الطلاق، حيث قام الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، بتطليق زوجته سيسيليا بالتراضي ومن دون تدخلات قضائية، كما أن المنافسة السابقة لساركوزي على الرئاسة، سيجولين روايال، قامت بطرد الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، أب أبنائها الأربعة من بيتها من دون اللجوء إلى قاضي الأسرة. وكانا مرتبطين بالباكس فقط وافترقا بدون طلاق، مما يعني أن الأحوال الشخصية في فرنسا، غالبا ما تنتج عنها تصادمات عائلية واجتماعية، كما يؤكد ذلك التقرير الأخير لوزارة الداخلية، الذي كشف أن سنة 2019 سجلت مقتل امرأة كل ثلاثة أيام على يد شريكها أو غريمها، وفي أغلب الحالات على إثر شكوك في أخلاق الزوجة أو تلبس بالخيانة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button