أخبارالرئيسيةفي الصميم

القضية الفلسطينية ليست سلعة رخيصة للمزايدة السياسية

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي

في كل مرة تهب فيها رياح الانتخابات، يطلّ علينا بعض الساسة كأنهم فرسان محررو القدس، يتوشحون بالكوفية الفلسطينية، يعتلون المنصات، ويتبارون في ترديد الشعارات الجوفاء، تلك التي باتت أكثر استهلاكًا من اللافتات الحمراء التي يرفعونها بتكلّف، علّها تذرف دموع التماسيح في قلوب المواطنين.

لكن خلف كل هذا الضجيج، لا نجد أثرًا حقيقيًا للمواقف… لا دعم مادي، ولا إغاثة عينية، ولا حتى موقف عملي صادق. القضية الفلسطينية، التي ظلت وما تزال محفورة في وجدان الشعوب العربية والإسلامية كرمز للكرامة والعدل، تحوّلت على أيدي هؤلاء إلى ورقة سياسية يُزايد بها، لا نصرة للمظلوم، بل استثمارًا في آلامه.

والأدهى أن بعض زعماء التيارات، ما إن تقترب ساعة الحسم الانتخابي، حتى يتصاعد سعارهم الخطابي، وينفلت عنان المزايدة، إلى درجة أن أحدهم، في لحظة من الهذيان السياسي، تجرأ على وصف أبناء شعبه بـ”الميكروبات والحمير”، فقط لأنهم دافعوا عن وطنهم وثوابته الترابية، ورفضوا الانخراط في صراخ شعاراتي لا طائل من ورائه.

فلسطين ليست يافطة تُرفع، ولا كوفية تُعلّق، ولا قصيدة تُلقى في مهرجان موسمي. فلسطين قضية حقيقية تعني الدعم، والوفاء، والالتزام الأخلاقي والمادي. لا يجوز أن تتحول إلى مطية لتمرير الأجندات، وتلميع الصور الباهتة، أو تسويق الأوهام الكبرى كتحرير الأقصى من خلف مكاتب مكيفة، أو عبر تغريدة فارغة.

إن أحد زعماء هذه التيارات لا يختلف كثيرًا عن زعيم إحدى الدول “الھاكوية” المتهاوية في منطقه وتوهّمه، إذ يظن نفسه المُخلِّص، المنتظر، المحرر، الذي سيحرر فلسطين بسيل من الخطابات وركوب الأمواج. ومع ذلك، لا أحد من هؤلاء يملك جوابًا بسيطًا وواضحًا: ما هي مساهمة تياراتكم الفعلية، الملموسة، لصالح القضية الفلسطينية؟ كم قدمتم من دعم؟ أين كانت أيديكم عندما استنجدت غزة في الظلمات؟

القضية الفلسطينية في القلب والعقل والضمير، نعم. ولكن الوطن، كل الوطن، هو أيضًا مقدس، ولا يقبل أن يُزايد عليه أحد. فالمؤمن لا يخون وطنه باسم قضية، ولا يستخدم جراح الأمة وقودًا لمعارك انتخابية أو تصفية حسابات أيديولوجية.

فلنتّحد حول ما هو مشترك، لا حول من يصرخ أكثر. فلسطين لا تُحرّر بالخطب، ولا عبر تسفيه الشعوب الأخرى. فلسطين تُحرّر برجال حقيقيين… لا بمهرطقين سياسيين.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button