
بقلم: ذ.مولاي الحسن بنسيدي علي
السياسة ليست مجرد كلمة تُطلق جزافًا في المقاهي والأسواق وعلى ألسنة من يجهل حقيقتها ويُسقط عليها أهواءه؛ بل هي علم راسخ يُدرس في الجامعات والمعاهد العليا، وتُحرر فيه الأطاريح الأكاديمية في كليات الحقوق، والعلوم السياسية، والاقتصاد، وعلم الاجتماع.
السياسة علم يُعنى بتنظيم شؤون الدولة والمجتمع، وضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتوجيه السلطة نحو تحقيق المصلحة العامة ضمن إطار قانوني ومؤسساتي متماسك.
لكن، وللأسف، فقد غدت السياسة في الوعي الشعبي مرادفة للتضليل والمراوغة، وأضحى الحديث عنها مقرونًا بالخداع والتلاعب بالعقول.
يتبناها من لا دراية له بمفاهيمها وأسسها، ويزعم “ممارستها” من لا يحسن حتى قراءة سطرٍ في كتاب القانون أو فهم أبجديات التدبير العمومي. تسمع عنها في الحمّامات، وتلوكها الألسن في الأسواق، ويُنعت بها كل صاحب مصلحة ضيقة، حتى اختزلها البعض في القول العامي: “راحنا نديرو السياسة”، وكأنها حيلة أو وسيلة لبلوغ غاية شخصية لا أكثر.
إن اختزال السياسة في هذا الشكل الشعبوي السطحي يُسيء إلى جوهرها الحقيقي، ويُكرّس الجهل بطبيعتها كفنٍ نبيلٍ ووسيلة لتدبير الشأن العام وفق قواعد مشروعة وأهداف عقلانية.
فالسياسة الرشيدة تبني الدول، وتُؤسس الأنظمة، وتُرسي مبادئ الدستور، وتُهيكل المؤسسات. وبهذا المعنى، لا تُمارَس السياسة إلا عن وعي ومعرفة وتأهيل علمي، لا عبر الشعارات الجوفاء والمزايدات الكلامية.
من هنا، يجب إعادة الاعتبار للسياسة بوصفها علمًا وأخلاقًا ومسؤولية، ونبذ كل تصور يشوه صورتها ويُفرغها من معناها، والعمل على تعزيز الثقافة السياسية في المجتمع لرفع مستوى الوعي وترسيخ مفاهيم المواطنة والمشاركة البناءة.



