Hot eventsأخبار

11 مليون درهم تفضح زواج المال بالسلطة

في مشهد يجسد أحد أوجه الانزلاق الخطير في تدبير الشأن العام،كشفت كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري في تصريح علني خال من التحفظ،أن أحد زملائها في حزب “التجمع الوطني للأحرار” قد استفاد من دعم عمومي بقيمة 11 مليون درهم لإنشاء مشروع خاص.
لم تطرح أي تساؤلات عن مدى قانونية هذا الدعم،أو عن معايير الاستفادة منه بل بدا التصريح وكأنه احتفاء داخلي بـ”إنجاز حزبي” لا محاسبة على استغلال محتمل للمال العام.

دعم عمومي أم جائزة حزبية؟
تثير هذه الواقعة تساؤلات جوهرية حول الغرض الحقيقي من الدعم العمومي في المغرب. فبدل أن يكون أداة لتشجيع القطاعات المنتجة أو دعم الفئات الهشة،يبدو أنه يتحول– في حالات عديدة – إلى وسيلة لتوزيع الامتيازات داخل الأحزاب وكأن المال العام غنيمة انتخابية لا مسؤولية وطنية.
يشير تقرير المجلس الأعلى للحسابات (2023) إلى “نقائص كبيرة في معايير توزيع الدعم العمومي”،مع تسجيل حالات متكررة من غياب التقييم ومراقبة النتائج.وتعزز هذه الشهادات ما بات يعرف في الأدبيات السياسية المغربية بـ”تسييس الدعم”حيث تلتقي المصالح الاقتصادية بالتحالفات الحزبية في مشهد من التواطؤ المؤسسي.

السلطة والثروة: تحالف غير مقدس
الخبير الاقتصادي محمد الشرقي يؤكد أن “الخلل يكمن في غياب معايير شفافة وملزمة،مما يسمح بتوجيه التمويلات وفق منطق الولاء السياسي”. أما منظمة “ترانسبرانسي المغرب”،فقد شددت في تقريرها لسنة 2024 على أن “تضارب المصالح وغياب الزجر يشجعان على تطبيع الريع”.
تصريح المسؤولة الحكومية لا يقرأ فقط باعتباره سقطة فردية،بل هو انعكاس لمنظومة تسير في اتجاه تقنين الامتيازات،حيث تدار الدولة وكأنها شركة خاصة،توزع أرباحها على المقربين .

المؤسسات في مهب الريح
في ظل هذه الممارسات،تطرح علامات استفهام كبرى حول قدرة المؤسسات على تأمين الشفافية والعدالة.فحين يخرج مسؤول حكومي ليتباهى باستفادة حزبه من المال العام دون خوف من المساءلة، فإننا أمام مؤشر خطير على ضعف الرقابة،وتآكل الحدود الفاصلة بين الدولة والحزب.
وهو ما يؤكده أستاذ العلوم السياسية د. سعيد السالمي بقوله: “حين تغيب المحاسبة، يصبح الريع مشروعا سياسيا . والمقلق أن الأمر لم يعد يمارس في الخفاء، بل أصبح معلنا، في ما يشبه “عصر التطبيع مع الفساد’”.

الخطر القادم: أزمة ثقة شعبية
لا تنحصر تداعيات هذا السلوك في الجانب القانوني أو السياسي فقط،بل تمتد إلى البعد الاجتماعي. دراسة حديثة صادرة عن “المعهد المغربي لتحليل السياسات” (IMPA) تكشف أن 68% من المغاربة يشعرون أن المؤسسات لا تمثلهم،وأن الامتيازات توزع على أساس الانتماء لا الكفاءة.
في المقابل،يشهد الشارع المغربي مؤشرات تصاعدية للاحتقان،لا سيما وسط الطبقة الوسطى التي بدأت تُدرك أن الإصلاح من الداخل بات شبه مستحيل في ظل اختلال ميزان العدالة الاقتصادية.

هل من أفق للإصلاح؟
إن واقعة 11 مليون درهم ليست استثناء ، بل مرآة لواقع سياسي بات يكرس الزبونية ويفرغ الديمقراطية من مضمونها.وما لم تتم مساءلة هذه الممارسات علنا ، وتسترجع ثقة المواطن في المؤسسات،فإننا أمام انزلاق تدريجي نحو حالة من اللاشرعية المقننة.
الديمقراطية لا تعني فقط انتخابات، بل تعني قبل كل شيء: عدالة-شفافية ومحاسبة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button