أخبارالرئيسيةفي الصميم

لماذا تحولت أغلب دور النشر بالمغرب إلى وحش كاسر مصّاص لدماء الكُتّاب؟

ترددت كثيرًا، لا عن خوفٍ ولا جبنٍ، ولكن لأن خيانة الكلمة أقسى من ضربة السيف. فمنذ أكثر من خمس سنوات، وفكرة هذا المقال تسحقني من الداخل وتعتصرني كما الفاكهة الناضجة تحت يد الجائع. واليوم، قررت أن أكسر جدار الصمت، وأن أكتب عن المسكوت عنه لدى أغلب زملائي وإخواني الكتّاب في المغرب والعالم العربي. غايتي في ذلك أن أشهد على الواقع المرّ لنشر الكتب في مجالنا الجغرافي، و ان لا اكون صامتًا متواطئًا؛ فالسكوت أمام الظلم شراكة خفية في الجريمة.

بقلم/ د. مهدي عامري
كاتب وأستاذ باحث

لن أستخدم المساحيق اللغوية، ولن أُلبِس الحقيقة ثوب المجاملة. هذا المقال ليس نصًا عاديًا.. إنه صرخة في وجه “مافيا” دور النشر التي لا ترحم، ولا تخجل، ولا تعرف معنى الأخلاق أو المبادئ. نعم، أقولها بوضوح: دور النشر في المغرب – ومعظمها وليس كلها – هي مصانع وقودها دماء و عرق الكتّاب، انها شبيهة بمصّاصي الدماء الذين يقتاتون على أجساد الآخرين ثم يُلقون بهم في زوايا النسيان.

تتصرف هذه الدور مع الكاتب كما يتعامل الجزار مع الخروف، فهو في نظرها ليس صاحب فكر، بل انه وجبة دسمة معدّة للاستهلاك السريع.. يعدونك بالنشر، والتوزيع، وتسويق كتابك على أوسع نطاق، ثم يختفون خلف هواتف لا ترد، ورسائل لا تُقرأ.

تسألهم بعد ستة شهور من توقيع العقد: ” أين هو كتابي؟ ” فيجيبونك بوقاحة: “لم نضعه في المكتبات، سنكتفي بالمعارض.” كأن المكتبات ترفٌ لا يستحقه كتابك، وكأن المعارض مزار حصري لصفوة لا يُسمح للكاتب ببلوغها.

ثم، في لحظة صدفة… تجد أصدقاءك على الفيسبوك قد سبق لهم أن قرؤوا كتابك. خمسون، ستون، مئة، و ربما اكثر. لكن، أين وجدوه؟ في المكتبات! في المدن! بل حتى في الأحياء الشعبية. وهنا تنكشف اللعبة. كذبت عليك دار النشر.

لقد باعوا نسخًا كثيرة من إصدارك ولم يخبروك، وبلعوا الأرباح كأي لصّ حقير.إنهم لا يعطونك في احيان كثيرة حتى نسخك المستحقة. كل شيء عندهم خاضع للتماطل، والتسويف، والكذب الناعم المغلف بالكلمات المنمقة.

يقولون لك: “لقد خسرنا في طبع كتابك.” والحقيقة أنهم ربحوا، ولكنهم لا يريدونك أن تعرف. إنهم يشبهون تجّار الحرب الذين يقتاتون على جثث الجنود ثم يبكون في نشرات الأخبار.يا سادة، إن أفضل ما يمكن أن يقوم به الكاتب اليوم هو أن يرقمن عمله، و أن يحوّله إلى نسخة PDF، أو كتاب صوتي أو مرئي، وأن ينشره على المنصات الإلكترونية، ولو مجانًا؛ لأن القيمة الحقيقية للكتاب ليست في سعره، بل في من يقرأه.

والكاتب في عالمنا العربي البئيس لن يعيش أبدًا من أرباح كتبه، بل سيحيا و يتنفس بالجملة المقروءة، والرأي المتفاعل، والنقاش المشتعل حول أفكاره.إن الكتابة ليست مهنة من لا مهنة له، وليست حيلة للاسترزاق.

فمن يريد المال فعلًا، فليذهب إلى التجارة، أو البرمجة، أو التسويق أونلاين، أو العقار. أما الكتابة… فهي أرقى من أن تكون وسيلة ربح، إنها رسالة سامية.

ولهذا فإن استغلالها بهذا الشكل المافيوي جريمة أخلاقية قبل أن تكون قانونية.أنا لا أُعمِّم. نعم، هناك دور نشر نزيهة، تحترم الكاتب، وتقدّر جهده. لكن عددها قليل ونادر، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. أما الأغلبية، فهي مجرد شركات ربحية، تبيعك الوهم، وتشتري صمتك بجملة واحدة: “الناس لا يقرؤون.”.

أي سوق هذا الذي لا يقرأ؟ وأي منطق هذا الذي يُراد لنا أن نبتلعه كالدواء الفاسد؟إلى كل كاتب مغربي وعربي، أقول: لا تنتظر منهم شيئًا.

كن أنت دار النشر. كن أنت الموزّع. اصنع من صفحتك على فيسبوك مكتبة، ومن قناتك على يوتيوب معرضًا. لأنهم يريدونك ميتًا، ويرغبون أن يظل صوتك مختنقًا في فواتير الطبع والتوزيع.

كن متمردًا، واذكر دومًا أن من لا يملك قرّاءً أحرارًا، لا يملك كتابًا حقيقيًا.

وخلاصة القول فكرة واحدة وأساسية.. لقد آن الأوان لنكشف الأقنعة، ونفضح المستور، ونقول: كفى من النفاق! كفى من قتل الإبداع باسم النشر! كفى من تسليع الفكر وسرقة المجهود.

فدور النشر التي لا تحترم الكاتب لا تستحق أن توجد، والمستقبل ليس لها، ولكنه ملك للكاتب الحر، الذي، رغم كل الصعوبات والضغوطات، يواصل الكتابة والإبداع، ويقرأ، وينشر، مستغنيًا عن الوسطاء والطفيليات ومصاصي الدماء.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button