Hot eventsأخبارعين العقل

الدوزان.. حين تُعزف السياسة على وتر مقطوع

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بن سيدي علي

في الموسيقى، يُعدّ “الدوزان” شرطًا أوليًا للعزف، وبدونه تتحوّل الأنغام إلى نشاز يجرح الآذان بدل أن يُطربها. هذا المفهوم البسيط يبدو غائبًا تمامًا عن مشهدنا السياسي والثقافي الراهن، حيث كثر العازفون وقلّ المتقنون، وكأنهم اتفقوا على خنق الجمال باسم التعبير، وعلى وأد الذوق تحت لافتة الحرية.

في الزمن الجميل، لم تكن الأحزاب ولا النقابات ولا كثرة الشعارات هي ما يربط بين الناس، بل القيم البسيطة: الصدق، التعاون، ومدّ جسور المحبة. الكلمة كانت موزونة، والأداء له نغمة، والصمت حتى كان له وقار. أما اليوم، فقد بتنا نرى فوضى خطاب لا علاقة له لا بالفكر ولا بالذوق. كل من أمسك ميكروفونًا ظن نفسه “فنان المرحلة”، ولو كان يعزف على أوتار مقطوعة.

لم يعد الكبير يُحترم، ولا الصغير يتربى على الاحترام. من يكفّر الناس، ومن يُسفّه المخالفين، ومن يتصور نفسه فوق القانون، كلهم أصبحوا “نجومًا” في هذا المسلسل الرديء الذي يُعرض علينا يوميًا تحت عنوان: “الروتين السياسي”. الكلمات فقدت بريقها، واللغة تحوّلت إلى معول لهدم الذوق العام.

لقد استُبدلت لغة البناء بلغة التهريج، وتم تعميم ثقافة الضجيج على حساب كل ما هو راقٍ ومتزن. وبينما يعيش الناس أزمة قيم، يُقدَّم لهم يوميًا “إيقاع مشوّه” يُلهيهم عن التفكير في الحلول، ويصمّ آذانهم عن سماع نداء الوطن الحقيقي.

فهل من فنان يعيد ضبط الأوتار؟
لسنا بحاجة إلى فلاسفة، بقدر ما نحن بحاجة إلى “فنّانين في السياسة”، أولئك الذين يُتقنون دوزنة خطابهم، ويعزفون نغمة الأمل على أوتار المسؤولية، لا نشاز المصلحة.

وهل نرى يومًا من يعيد للخطاب توازنه؟ ويُرجع للنغمة طربها؟ أم أن النشاز سيبقى هو العنوان الأبرز في زمن ضاع فيه الدوزان؟

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button