
بقلم: زهير أصدور
قالت لي، وفي نبرتها مزيج من الفضول والدهشة:ــ كيف خطرت لك فكرة الكتابة عن المرأة الأربعينية والخمسينية؟ هل ثمة امرأة معيّنة ألهمتك؟ أم أنه مجرد انفعال عابر أو لحظة تأمل مجنّحة؟ابتسمتُ كما يبتسم من التقط سؤالًا أعمق مما يبدو، وقلت:ــ لم تكن الفكرة وليدة فراغ، بل انبهار دفين بهذه المرحلة العمرية التي لا أراها رقمًا في البطاقة، بل مجلّدًا من التجربة، سِفرًا مكتوبًا بالحبر والدمع، وبصمة لا تُشبه سواها.
قاطعتني، وكأنها تُصرّ على أن تُعيدني إلى واقعها:ــ لكن، ليس كل امرأة بلغت الأربعين أو الخمسين تستحق ما تكتبه.
أعرف نساء في مثل هذا العمر، لا يُتقنَّ جملة مفيدة، ولا يزال تفكيرهنّ في طور المراهقة، فارغات من الداخل رغم الزمن الذي عبرهنّ.قلت لها بهدوء من يعرف ما يقول:ــ معكِ حق.
فالسن وحده لا يُورث الحكمة، والعمر ليس ضمانًا للنضج.
لكنني لم أكتب عن الجميع، بل عن تلك التي جرّبت الحياة، فنهضت كلما سقطت، وصقلت ملامحها من محكّ الألم، وتعلّمت كيف تحبّ دون أن تذوب، وتفقد دون أن تنكسر، وتعطي دون أن تُستنزف.
قالت، وعلى وجهها مزيج من الاعتزاز والعاطفة المكبوتة: المرأة الحقيقية في هذا العمر؟ هي التي طرقَت أبواب الحياة والمحن، فخرجت أقوى وأوضح.
جمعت بين العقل والحضور والكاريزما، دون أن تفقد أنوثتها أو عاطفتها. هي التي تختار الرجل المناسب، لا تنتظر أن تُختار.
واثقة لا تُغرّرها الكلمات، ولا تُفتنها المظاهر. امرأة ذاقت مرارة التجربة، واكتسبت نُضجًا لا يُشترى.
فقلت لها وانا اتم كلماتي عليها:
هذه هي المرأة التي كتبتُ عنها، وربما عنكِ أنتِ دون أن أدري… عن كل من صارعت الحياة وخرجت منها واقفة، لا مترددة، ولا منكسرة.



