Hot eventsأخبارعين العقل

الانتماء للوطن بين صدق الالتزام وزيف الادعاء

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي

كثيرًا ما يُطرح مفهوم “الولاء للوطن” في المجالس العامة وعلى منصات التواصل، حيث يعلو صوت الشعارات وتتناسل الكلمات الطنانة التي تعج بها خطابات المقاهي ومنابر المزايدة المجانية. غير أن اختبار الوطنية الحقيقي لا يكون في لحظة التنظير، بل حين يطرق الوطن أبواب أبنائه داعيًا إياهم إلى وقفة تضامن حقيقية، وإلى تجسيد معاني الانتماء سلوكًا وفعلاً، لا قولًا ومزايدة.

لقد دعا الوطن، من خلال خطاب جلالة الملك محمد السادس شفاه الله، إلى التآزر الاجتماعي، ومقاطعة ذبح الأضاحي لهذا العام من أجل التخفيف عن الأسر الفقيرة، والحفاظ على القطيع الوطني، وضبط الأسعار التي أنهكت المواطن. ورغم أن النداء حمل في جوهره رسالة رحيمة، وغاية نبيلة، إلا أن سلوك العديد من المواطنين خالف هذا التوجه، فكأن النداء لم يكن.

فالمفارقة العجيبة أن من كانوا بالأمس يشتكون من الغلاء ويطالبون بإلغاء الأضحية بدعوى العجز المالي، هم أنفسهم من تهافتوا على اقتناء الأضاحي، بل تضاعف الطلب ليشتري البعض رأسين عوض رأس واحد، مما ساهم في رفع الأسعار مجددًا، حتى غدت “أحشاء الخروف” سلعة نادرة بلغ ثمنها حدود 700 درهم، في مشهد يكشف التناقض بين الخطاب والممارسة، وبين ادعاء الوطنية ومجافاة مقتضياتها.

إن الانتماء للوطن لا يُقاس بعدد الأعلام المرفوعة، ولا بكم الشعارات المعلنة، بل بمقدار ما يقدمه المواطن من تضحيات لصالح الجماعة، واستعداده لتغليب المصلحة الوطنية على نزواته الفردية. فحين يتحول حب الوطن إلى مجرد لافتة استهلاكية، ويُستبدل الفعل بالمظهر، تنكشف الحقيقة المرّة: الوطنية ليست مشاعًا لكل من ادعاها.

وشتان بين مواطن يتفانى حبًا في وطنه، ويتجاوب مع نداء المسؤولية، ومواطن يتشدّق بالوطنية وهي منه براء. فالأول يترجم انتماءه التزامًا ومواقف مسؤولة، والثاني يجعل منها قناعًا يلبسه في المناسبات، وسرعان ما يسقط عنه عند أول اختبار.

لقد آن الأوان لإعادة النظر في مفهوم المواطنة، لا باعتبارها انتماءً وراثيًا أو جغرافيًا فقط، بل باعتبارها وعيًا دائمًا بواجباتنا تجاه هذا الوطن، واستعدادًا للتخلي عن أنانياتنا من أجل مصلحة أوسع وأعم.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button